مشروع قانون التَّأمين الصِّحِّيِّ الجديد.. قائمٌ رغم الاحتجاجات!!...


-    مشروع قانون التَّأمين الصِّحِّيِّ الجديد يجب وضعه في إطارٍ أشمل لأدوار الدولة المُتقلِّصة
-    يتساءل الخبراء عن سرِّيَّة مشروع القانون وأسباب عرضه على لجنة السِّياسات في الحزب.
-    الخدمات المُقدَّمة للمريض بدلاً من أنْ تكون خدماتٍ شاملةً، تحوَّلت إلى خدماتٍ جُزئيَّة

كتبت: شيماء جلال وإيمان إسماعيل
بَاتَ ملفُّ مشروع قانون التَّأمين الصِّحِّيِّ الجديد أحد أبرز الملفات العامَّة ذات الطَّابع الإعلاميِّ والسِّياسيِّ، مع مساسه ببعض الجوانب الاجتماعيَّة في حياة المواطن المصريِّ، وتزايد الجدل حول مشروع القانون، الذي لا يزال غامضًا للآن، مع التَّرويج له ضمن ما تمَّ التَّرويج له في المؤتمر السَّنويِّ السَّادس للحزب الوطني الحاكم، والذي تمَّ الترويج له إعلاميًّا على نطاقٍ واسعٍ.
وانتقدت مصادرٌ في المُعارضة اليساريَّة المصريَّة بما أسمته بـ"إصرار الحكم في مصر على تمرير مشروعات القوانين التي تُضيف أعباءَ جديدةً علي المواطنين"، ومن بينها قانون التَّأمين الصِّحِّيِّ بكل توابعه على الأمن الاجتماعيِّ بحسب أوساطٍ في حزب التَّجمُّع.
ومن بين الانتقادات التي تمَّ توجيهها إلى مشروع القانون الجديد، تحديده رسومٍ جديدةٍ يدفعها المريض تصل إلى 30% من تكلفة العلاج في العيادة الخارجيَّة، و25% من تكلفة العلاج داخل المستشفى ذاته.
وخلال المؤتمر وبات واضحًا إصرار الحكومة المصريَّة على رفع يدها عن غير القادرين في هذا المجال، كما في غيره من الخدمات التي تراجعت فيها الدَّولة؛ حيث قال رئيس الوزراء الدُّكتور أحمد نظيف خلال المؤتمر: "كل واحدٍ سيدفع على قدِّ دخله"، وما أكَّده وزير الصِّحَّة الدُّكتور حاتم الجبلي: "الدَّولة ملتزمةٌ بتغطية نفقات التَّأمين لغير القادرين وفقًا للقانون الجديد".
ويضاف ذلك ما أعلنه الرَّئيس حسني مبارك؛ حيث قال: "القادر يتحمَّل نفقات التَّأمين الصِّحِّيِّ، وغير القادر تتحمَّلُه الدَّولة والمجتمع".
وتأتي هذه المواقف التي صَدَرَتْ من أعلى سلطةٍ في الدَّولة رغم التحذيرات التي تقول بأنَّ ذلك الوضع سوف يؤدِّي إلى تذمُّرٍ اجتماعيٍّ؛ حيث ترتفع نسبة الفقراء الذين لا يشعرون بأنَّهم ملزمون فعليًّا من الدَّولة، خصوصًا مع وجود تأثيراتٍ عميقة لأزماتٍ اجتماعيَّةٍ مماثلةٍ لا تزال موجودةً، مثل ارتفاع نفقات النَّقل، وكذلك أزمة رغيف الخبز.
كما أنَّه، حتى مع التَّسليم بصحَّة موقف الدَّولة، فإنَّه لا يوجد تعريفٌ واضحٌ للقادر وغير القادر، ولا آليَّات الحصول علي الخدمة، خاصة إذا أجرى المريض عمليَّةً جراحيَّةً، تصل تكاليفها إلى 50 ألف جنيه؛ حيث إنَّه في ذلك الوقت سيكون المواطن مُطالبٌ بسداد 12.5 ألف جنيهٍ منها!!
اعتراضاتٌ مُتخصِّصةٌ!!
ولا يُعتَبَر المواطن المصري فقط هو صاحب الرُّؤية التَّشاؤميَّة في هذا؛ حيث رأى مُتخصِّصون ذات الرَّأي، ففي تصريحاتٍ له انتقد الدُّكتور محمد حسن خليل، استشاري القلب وعضو لجنة الدِّفاع عن الحق في الصحة، إسناد الحكومة المصريَّة عمليَّة إجراء دراسة الجدوى لمشروع قانون التَّأمين الصِّحِّيِّ الجديد لشركةٌ إنجليزيَّةٌ تُدْعَى "HWIT"، وقال إنَّ بنود مشروع القانون الجديد قد اشتملت على عباراتٍ فضفاضةٍ، أمَّا التَّفاصيل، فهي لا تزال قيد السِّرِّيَّة لا يعلمها إلا الوزير الجبلي، ورئيس هيئة التَّأمين الصِّحِّيِّ الدُّكتور سعيد راتب، والشَّركة الإنجليزيَّة التي وضعت دراسة الجدوى.
وأضاف خليل أنَّ القانون القديم كان يٌلْزِمُ صاحب العمل بدفع 3% من قيمة الرَّاتب للعامل، أمَّا المُنْتَفِع فكان مُلزمًا بدفع 1% فقط، لكن في ذلك الحين كانت الحكومة هي صاحب العمل، والآن بعد الخصخصة، فإنَّ الحكومة قد تحرَّرت من دفع هذه النِّسبة، مع إلزام صاحب العمل بدفع 1% فقط من قيمة راتب العامل بدلاً من 3%، مع تقليل الخدمات الصِّحِّيَّة المُقدَّمة للمريض.
وانتقد خليل مشروع القانون الجديد لأسبابٍ أخرى، منها أنَّ الخدمات المُقدَّمة للمريض بدلاً من أنْ تكون خدماتٍ شاملةً، تحوَّلت إلى خدماتٍ جُزئيَّة، وبالتَّالي فإنَّ المريض لا يُعالَج من كلِّ الأمراض، وهو ما يضطرُّ المريض إلى الُّلجوء لشركات التَّأمين الخاصَّة، والتي تُعطي بوليصة تأمينيَّة خاصَّة لاستكمال العلاج، وهو أمرٌ أكَّده وزير الصِّحة الدُّكتور الجبلي.
كما أنَّ الخدمات التي تراجع عنها التَّأمين الصِّحِّيُّ غير مُعلنةٍ، وبالطبع هذا يُعدُّ باطلاً قانونًا ودستوريًّا، ومن هنا فإنَّ القانون الجديد مثَّل جريمةً في حقِّ المُنتفعين؛ حيث تمَّ تقليص الفوائد، أي تقليل الخدمات، في مُقابل زيادة نسبة الاشتراك، كما أنَّه يُعطي الحقَّ لرئيس الوزراء بأنْ يُعدِّل في مواده بقرار إداريٍ عن طريق الوزير المختص، ومن دون الرُّجوع إلى مجلس الشعب.
أمَّا الدُّكتور عبد المنعم عبيد رئيس هيئة التَّأمين الصِّحِّيِّ السَّابق، فقد شكَّك في نِسَبِ الاشتراكات التي وردت في مشروع القانون الجديد، وقال إنَّها لا يُمكن أنْ تُعطي للمريض خدماتٍ صحِّيَّةٍ شاملةٍ، ذلك لأنَّ القانون القديم كان يُلزِم صاحب العمل بدفع نسبة 3% من قيمة راتب العامل، وكان هناك دراسةٌ لرفع نسبة صاحب العمل إلى 5.4%.
ولكن القانون الجديد يُلْزِمُ صاحب العمل بدفع 1% فقط، وتقليل النِّسبة بهذه الصُّورة يعني تقليل الخدمات الصِّحِّيَّة المُقدَّمة للمريض، وهو ما لم يحدث في أيِّ بلدٍ في العالم؛ حيث مشروع قانون غير واضح المعالم، وبعض بنوده سرِّيَّةٌ، لا يعلمها إلا الحزب الوطني، ولا يُناقَش إلا في أمانة السِّياسات.
اعتراضاتٌ شعبيَّةٌ!!
وقد بدأت حالة التَّذمُّر الشَّعبيُّ بالفعل في هذا الشَّأن، فقبل أيامٍ احتشد المئات من أعضاء حزب التَّجمُّع وقوىً أخرى "من أجل المُطالبة بتأمينٍ صحِّيٍّ حقيقيٍّ لكل المصريين"، واتهموا الحكومة بتبنِّي سياساتٍ تهدف لخصخصة التَّأمين الصِّحِّيِّ، وتحويل المُستشفيات العامَّة لمُؤسَّساتٍ تجاريَّةٍ تهدف للرِّبح.
وأشار المتظاهرون إلى أنَّ الهدف الأساسي لوزير الصِّحَّة الحالي مُنذ أنْ جاء للوزارة، هو خصخصة القطاع الصِّحِّي في مصر.
مدللين على ذلك ببعض قرارات الوزير، ومن بينها قراره الصَّادر في صيف العام 2006م، بإغلاق ثُلُثَيْ مُستشفيات الحُمِّيَّات في مصر، ثم إغلاقه مُستشفيات التَّكامُل، وتحويلها إلى مُستشفياتٍ ريفيَّةٍ لطبِّ الأُسرة، بالرَّغم من أنَّ المواطن المصري كان في أمسِّ الحاجة إلى تلك المستشفيات عندما انتشر مرض أنفلونزا الطيور، والآن مشكلة أنفلونزا الخنازير، بدلاً من أنْ يسعى لتحسين الخدمات الصِّحِّيَّة فيها.
وبحسب هؤلاء فإنَّ الوزير بدلاً من أنْ يُطالِب بزيادة مُخصَّصات الخدمات الصِّحَّيَّة في ميزانيَّة الدَّولة، فإنَّه ارتضى تخفيضها من جانب وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي، من 3.4% من ميزانيَّة الدَّولة هذا العام، إلى 3.2% في الموازنة الجديدة. في الوقت الذي يتم فيها ضخ 30 مليار جنيه من اجل إنقاذ رجال الأعمال من تبعات الأزمة الماليَّة الأخيرة، في حين أنَّ الأمم المتحدة أوصت بأنَّ ميزانيَّة الصِّحَّة في أي دولةٍ لا يجب أنْ تقلَّ عن 15% من الميزانيَّة.
ولم يقتصر المشهد على الإسكندريَّة فحسب؛ حيث دعا الاتحاد المحلِّيِّ لنقابات عُمَّال أسوان مُنظَّمات المُجتمع المدنيِّ والأحزاب السِّياسيَّة والمجالس الشَّعبيَّة المحليَّة للتَّصدِّي للقرار الاخير الخاص بفرض رسومٍ جديدةٍ على الخدمات الصِّحِّيَّة العامَّة، وطالبوا بإلغاء الرُّسوم المفروضة على الكشف والجراحات والإقامة في المستشفيات.
وفي محافظة السويس صدر بيان عن القوى السِّياسيَّة وأحزاب المُعارضة وعددٍ من المنتفعين من أبناء المحافظة وممثلي لجنة الدِّفاع عن الحقِّ في الصِّحَّة، أكَّدوا فيه علي رفضهم تحميل المنتفعين أي رسومٍ إضافيَّةٍ، تمثِّل أعباءً اقتصاديَّةً جديدةً، لن يتحمَّلها الفقراء الآخذون في الازدياد في مصر.
خُلاصات
في خلاصةٍ لها عن هذه المشكلة المُستجدَّة على المجتمع المصريِّ، قالت جمعيَّة التَّنمية الصِّحِّيَّة والبيئيَّة، إنَّ جوهر قانون التَّأمين الصِّحِّيِّ الجديد، هو الانتقال من التَّأمين الصِّحِّيِّ الاجتماعيِّ الموجود حاليًا بشكلٍ أو بآخر إلى ما وصفته بـ"التَّأمين الصِّحِّيِّ التِّجاريِّ".
وينطلق التَّأمين الصِّحِّيِّ الاجتماعيِّ من مسئوليَّة المُجتمع عن صحَّة مواطنيه، ومن حقِّ المواطن في الصِّحَّة، وكذلك من مفهوم الصِّحَّة كمقدِّمَةٍ ضروريَّةٍ للتَّنمية، وكنتيجةٍ لها في آنٍ معًا، أمَّا التَّأمين الصِّحِّيِّ التِّجاريِّ، فينطلق من أولويَّة حافز الرِّبح، وحق القطاع الخاص في الانفراد بتقديم الخدمة الصِّحِّيَّة، وإعطاء الأولويَّة لتوازن إيرادات ومصروفات التَّأمين الصِّحِّيِّ، رغم تحميلها بأرباح القطاع الخاص المنفرد بتقديم الخدمة.
والسِّياق الذي يأتي فيه مشروع قانون التأمين الصِّحِّيِّ الجديد هو التَّحُّولات الاجتماعيَّة الجارية في سياق الخصخصة وسيادة مبدأ الرِّبح وتوفير الاحتياجات لمن يملُك الثَّمن، وليس لمن يستحق، وبالتَّالي انسحاق الضُّعفاء تحت وطأة قوانين سوقٍ لا ترحَم.
وإذا كان هذا ليس مجال الحديث عن التَّحوُّلات الجارية في المجتمع، فإنَّ تطبيقه في مجال الصِّحَّة بشكلٍ خاصٍّ يُمثِّل مُشكلةً اجتماعيَّةً خطيرةً بكلِّ المقاييس؛ حيث تتراوح نسبة أفراد مُجتمعنا الواقعة تحت خط الفقر بين النِّصف والثَّلاثة أرباع وفقًا لمختلف الدِّراسات والتَّقارير المُعلنة بما فيها الدِّراسات والتَّقارير الحكوميَّة..

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح