رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصريِّ!!...

 
أزمة هالة مصطفى وشالوم كوهين فتحت المجال لمناقشة مدى قوَّة جبهة مُعارضة التَّطبيع في مصر
العنوان: سلامٌ عاديٌّ؟
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
التاريخ: 8 أكتوبر 2009م
المُؤلِّف: ديفيد شينكر(*)
إعداد: سامر إسماعيل
*.*.*
يَقْتَرِبُ الحزب الوطنيُّ الدِّيمقراطيُّ المصريُّ [الحاكم] بسرعةٍ من موعد عقد مؤتمره السَّنويِّ، ولكن هذا الاجتماع، الذي سيُمهد الطَّريق بصورةٍ رسميَّةٍ للخلافة السِّياسيَّة في البلاد "لا يصنع العناوين في هذه الأيام"؛ حيث إنَّ هناك مواضيعَ أخرى تحظى باهتمامٍ أكبر.
فعلى سبيل المثال، نقلت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) الأمريكيَّة في عددها الصادر في السادس من أكتوبر رد فعل جماعة الإخوان المسلمين المصريَّة على مبيعات "طقم غشاء البكارة الاصطناعيِّ" الصِّينيِّ الصُّنع، كما ركَّزت مصادرٌ إخباريَّةٌ أخرى على قرارٍ هامٍّ اتَّخذته جامعة الأزهر بمنع ارتداء النِّقاب في الحصص الدِّراسيَّة [غير المُختلَطَة].
بيد، أنَّ الموضوع الذي تمَّ تغطيته بصورةٍ أقل في وسائل الإعلام الغربيَّة، هو الجدل الدَّائر المُحيط بالصحفيَّة والباحثة المصريَّة الدُّكتورة هالة مصطفى رئيسة تحرير مجلة (الدِّيمقراطيَّة) [المقصود تحقيقات "نقابة الصَّحفيِّين" معها بسبب استقبالها للسفير الإسرائيليِّ بالقاهرة شالوم كوهين]، بالرَّغم من كونه موضوعًا لا يقلَّ أهمِّيَّةً عن موضوعاتٍ أخرى؛ حيث وقفت هالة مصطفى أمام الَّلجنة التَّأديبية بـ"نقابة الصَّحفيِّين"، ومن المُنْتَظَر أنْ تُواجه عقوباتٍ بسبب لقائها مع كوهين في مطلع سبتمبر المنصرم.
والدكتورة هالة مصطفى هي عضوٌ في لجنة النُّخبة في الحزب الوطني الدِّيمقراطيِّ المُختصة بالسِّياسات، وباحثةٌ في "مركز الأهرام للدِّراسات السِّياسيَّة والإستراتيجيَّة" الذي ترعاه الحكومة.
وقد وجدت نفسها الشَّهر الماضي هدفاً لتحقيقات "نقابة الصَّحفيِّين" بسبب لقائها مع السَّفير الإسرائيلي في مصر. وبلقائها مع كوهين، انتهكت الدكتورة هالة مصطفى نظام النَّقابة الدَّاخليِّ المُتشدِّد، الذي يفرض سياسةً صارمةً تمنع أيِّ اتِّصالٍ مع إسرائيليِّين، والتي تقوم عليها حملة "مُناهضة التَّطبيع".
في العقود الأخيرة، كانت المقاطعة المهنيَّة المصريَّة لإسرائيل- التي تقودها النَّقابات التي تُسَيْطر عليها الجماعات الإسلاميَّة- أداةٌ فعَّالةٌ لمنع تطبيع العلاقات الثُّنائيَّة بين الدَّولتَيْن. وفي حين لم تبذل الحكومة المصريَّة جهودًا كبيرةً لكي تعكس هذا الاتِّجاه، لا يبدو بأنَّها كانت قد أيَّدت المُقاطعة، حتى وقتٍ قريبٍ.
ويبدو أنَّ "نقابة الصَّحفيِّين" تتطلع إلى جعل الدكتورة مصطفى مثالاً لردع الآخرين من اتباع مسار مماثل. ولا تحصل الباحثة مصطفى على أي مساعدة من "مركز الأهرام" الحكومي. وفي الواقع، لم يقم "المركز" بإنشاء مجلس تحقيقٍ من قبله لاستجوابها فحسب، بل أعلن قبل أسابيع بأنَّه سيقوم أيضًا "بمقاطعة الإسرائيليِّين على جميع المستويات".
لقد تأسس "مركز الأهرام" في عام 1968كم كـ"مركز الدِّراسات الصُّهيونيَّة والفلسطينيَّة"، لذلك ربَّما لا ينبغي أنْ يكون هذا التَّحوُّل في الأحداث مثيرًا للدَّهشة. ومع ذلك، فيبدو غريبًا بأنَّ المعهد المصريَّ الرَّائد في مجال البحوث- المُموَّل من قِبَلِ الدَّولة والمُرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنِّظام- سيلتزم ببنودٍ قانونيَّةٍ صارمةٍ مُناهضةٍ للتَّطبيع، والتي تُنادي بها النَّقابات التي يقودها الإسلاميُّون. وفي الواقع، تنص اتفاقات كامب ديفيد (للسَّلام) من عام 1978م بأنَّه بعد انسحاب الإسرائيليِّين من سيناء، ستقيم الدَّولتان "علاقاتٍ طبيعيَّةً" بما في ذلك "علاقاتٌ ثقافيَّةٌ".
وفي حين أنه ليس هناك شكٌّ في التزام الحكومة المصريَّة بعدم قيام حالة حربٍ مع جارتها الإسرائيليَّة، إلا أنَّه لا تزال هناك قوىً مُعارضةٌ للتَّحرُّك نحو السَّلام بين الشَّعبَيْن، على المستويات الرَّسميَّة والشَّعبيَّة على حدٍ سواءٍ. وفي مصر، يُبرَر هذا التَّضارُب بسوء مُعاملة إسرائيل للفلسطينيِّين، ولكن حتى عندما كانت عملية السَّلام تُحرِز تقدُّمًا، خلال أوج اتِّفاقات أوسلو (1994م- 1998م)، على سبيل المثال، لم تُظهِر القاهرة ميلاً يُذْكَر لتغيير الدَّيناميكيَّة.
لقد وصلت المُقاومة ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى أعلى المُستويات في القاهرة. فالرَّئيس المصريُّ حسني مُبارك، الذي يشغل منصبه منذ عام 1981م، لم يقُم حتى الآن بزيارة إسرائيل سوى مرةٍ واحدةٍ فقط، حضر خلالها جنازة رئيس الوزراء الإسرائيليِّ الأسبق اسحق رابين. ومع ذلك، فقد قال لصحيفة (الأهرام) الحكوميَّة عقب عودته من إسرائيل عام 1995ز، "أنا لا أعتبر هذه زيارةً".
ويبقى أنْ نرى ما قد يتَّضِح من قضيَّة هالة مصطفى. ويقول مُطَّلعون في "النَّقابة" بأنَّ مجلس إدارتها يميل إلى تجميد عضويَّتِها لمدَّةِ عامٍ واحدٍ، ممَّا سيُؤدِّي إلى إقالتها من رئاسة تحرير (الدِّيمُقراطيَّة) [المَجلَّة الفصليَّة التي تُديرها الدَّولة]. وللأسف، فحسب التَّطوُّرات التي تظهر حتى الآن، لا يبدو من المُرجَّح بأنْ يقوم نظام الرَّئيس مُبارك بمعارضة ما ستُقرِّرُه "نقابة الصَّحفيِّين" أو سيتدخَّل نيابة عن الدُّكتورة هالة مصطفى.
وبالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي (باراك) أوباما، التي تسعى إلى إقناع دولٍ مثل المملكة العربيَّة السَّعوديَّة باتِّخاذ خطواتٍ لتطبيع العلاقات مع إسرائيل على أمل تشجيع الدَّولة اليهوديَّة على اتِّخاذ "مخاطرَ من أجل السَّلام" مع الفلسطينيِّين، يُشِّكل تصرُّف القاهرة معضلةً. فبعد كل هذا، حتى إذا كان الشُّركاء في عمليَّة السَّلام غير مُستعدِّون لاتِّخاذ خطواتٍ لتطبيع العلاقات بينهما، فإنَّ إقناع دولٍ مثل المملكة العربيَّة السَّعوديَّة على القيام بذلك لديها فرصةٌ ضئيلةٌ للنَّجاح. إنَّ أفضل نصيحةٍ يُمكن إعطاؤها لواشنطن في موضوع البحث عن تطبيع علاقات العرب مع إسرائيل، هي أنْ تتَّخذ نهجًا أكثر تواضعًا. وتبدو مصر، التي هي في حالة سلامٍ مع إسرائيل منذ ما يقرب من 30 عامًا، مكانًا معقولاً للبدء في خطوات التَّطبيع.

---------------------
(*) ديفيد شينكر هو مدير برنامج السِّياسة العربيَّة في معهد واشنطن لسياسة الشَّرق الأدنى، وكتب مقاله هذا قبل أيامٍ من عقد المؤتمر السَّنويُّ العام للحزب الحاكم في مصر

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح