تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...



-    سوء التَّخطيط في حفل تدشين التَّحالُف الجديد يؤشِّر لسوء تخطيط أكبر
-    هذه التَّحالفات مصيرها الفشل بسبب عدم اعتمادها على الجماهير في حركتها

كتب: أحمد عبد الفتَّاح
ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر، وما يرتبط بها من قضايا، وخصوصًا فيما يتعلَّق بالضرورات التي تفرض إنشائَها، وأهدافها التي يجب أنْ تتبناها لإنقاذ مستقبل مصر، والكيانات التي يجب أنْ تحتويها هذه الحركات، حتى لا يكون مصيرها مصير العديد من التَّحالُفات التي نشأت في مصر في الأعوام الماضية، وكان مصيرها كلها الفشل الذريع.
ولعل تعاقُب الأحداث على الأرض يرغمنا على استمرار فتح هذا الملف، فقبل أيامٍ أعلن الدُّكتور أيمن نور مُؤسِّس حزب الغد، عن تشكيل تحالفٍ وطنيٍّ جديد ضد التَّوريث يحمل اسم " مايحكومشِ"، وتمَّ تدشين هذا التَّحالُف الجديد في مؤتمرٍ حاشدٍ أُقيم الخميس 15 أكتوبر الماضي، بمقرِّ حزب الغد بوسط القاهرة، وبحضور العديد من الشَّخصيَّات السِّياسيَّة المصريَّة، التي مثَّلت أحزابًا وقوىً سياسيَّةً مصريَّةً، بما في ذلك مشاركةٌ منخفضة الشِّدَّة من جانب جماعة الإخوان المسلمين، ممثلةً في عددٍ من نواب  كتلها في مجلس الشعب المصريِّ.
ولكن كان اللافت غياب أحزاب المُعارضة الرَّسميَّة الرَّئيسيَّة، وهي الوفد والناصري والتَّجمُّع والجبهة، وما أثار تساؤلاتٍ عديدةً حول فرص ومستقبل نجاح هذا التَّحالُف الجديد، مع عدم مشاركة الإخوان فيه بقوَّة، واعتزال أحزاب المعارضة الرَّئيسيَّة له.
وفي هذا الإطار نحاول هذه المرَّة أنْ نرصدَ المشهد السِّياسيَّ المصريَّ في ظلِّ التَّحالُف الجديد، ودراسة فرص نجاحه من عدمها.
الحَدَث
يوم الخميس 15 أكتوبر، وبمقر حزب الغد بميدان طلعت حرب بوسط القاهرة، أعلن الدُّكتور أيمن نور رسميًّا عن تدشين الحملة الوطنيَّة ضد التَّوريث.. "مايحكومشِ"، وفي وجود 35 شخصيَّةٍ سياسيَّةٍ وعامَّةٍ، استقرَّ الجمع على اختيار الدُّكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السِّياسيَّة بجامعة القاهرة، مُنسِّقًا للَّجنة التَّحضيريَّة للحملة حتى انتهاء أعمال الَّلجنة التَّحضيريَّة.
نور قال إنَّ الحملة تستهدف رفض التَّوريث في كلِّ مُؤسَّسات الدَّولة، وليس شخص جمال مبارك، وأكَّد على جدِّيَّة الحملة بالقول "إنَّ الحملة ليست إنشائيَّةً"، كما حاول إعطاء الأمر بُعدًا شعبيًّا عندما قال إنَّخ سيتم ملاحقة أي شكلٍ من أشكال التَّوريث قضائيًّا وشعبيًّا.
وبإلقاء نظرةٍ سريعةٍ على قائمة الحضور، نُلاحظ أنَّها ضمَّت مجموعةٌ قليلة فقط من ألوان طَيْف المعارضة المصريَّة؛ حيث لم يتواجد سوى حمدين صباحي رئيس حزب الكرامة "تحت التَّأسيس"، والدُّكتور عبد الحليم قنديل المُنسِّق العام للحركة المصريَّة من أجل التَّغيير (كفاية)، ومحمد أنور السادات وكيل مُؤسِّسي حزب الإصلاح والتَّنمية، وهو بدوَرْه حزبٌ لا يزال تحت التَّأسيس.
أما الإخوان المسلمون فقد حضر عنهم الدكتور فريد إسماعيل، عضو الكُتلة البرلمانيَّة للإخوان بمجلس الشعب ممثلاً للجماعة
كما كان من الطَّريف أنَّ الدُّكتور حسن نافعة أمين عام ملتقى الفكر العربيـ والذي انتخبه الحاضرون مُنسِّقًا عامًّا للَّجنة التَّحضيريَّة للتحالف الجديد، قد انتقد سوء التَّنظيم الذي اعترى يوم تدشين التَّحالُف  أو المؤتمر التَّأسيسيَّ الأوَّل، وقال إنَّ "الفوضى" اعترته، مُشدِّدًا أنَّه سوف يُركِّز خلال الاجتماعات القادمة على تنظيم الأمور "بشكلٍ أدقٍّ وفعَّالٍ".
سوء تخطيط
وبالفعل كانت فوضى؛ حيث لم تَكَدْ تمرُّ أيامٌ قليلةٌ، إلا وأعلن أعضاء التَّحالُف، وبعد جلستهم التحضيريَّة الأولى، عن تغيير اسم التَّحالف من "مايحكومشِ" إلى اسمٍ آخر، لم يعلنوا عنه بعد- (!!)- ويعملون على اختيارهن مُؤكِّدين أنَّ الاسم الأوَّل كان من اختيار نور، وأنَّهم رأوا عدم ملائمته.
كما كانت الشَّائعات العدو الثَّاني للتَّحالُف الوليد، فبعد ساعاتٍ من تدشين التَّحالُف الجديد خرج الدُّكتور يحيى القزَّاز عضو حركة "كفاية"، في تصريحاتٍ صحفيَّةٍ له أرجع فيها سبب عدم تلبيته دعوة أيمن نور لحضور المُؤتمر التَّأسيسيِّ لحملة "ضد التَّوريث"، إلي أنَّ منظمة "فريدم هاوس" الأمريكيَّة، كانت وراء تنظيم حملة "مايحوكمشِ"، لتغيير تركيبة المجتمع السياسيِّ المصريِّ، وفي محاولةٍ منها لاستكشاف نبض الشَّارع المصريِّ تجاه زعامة نور، لتقوم بتغيير إستراتجيَّتِها من دعم جمال مبارك إلى أيمن نور!!
وفتح القزَّاز النَّار على الكلِّ؛ فعلى الرَّغم من الحذر الذي استقبلتْ به التَّحالُف الجديد وانخفاض مستوى مشاركتها فيه، فإنَّ القزَّاز اتَّهم جماعة الإخوان المسلمين بوجود مصالحٍ بينها وبين السَّفارة الأمريكيَّة، خاصَّة بعد تلبيتها لدعوة نور، في أولى الأعمال الجبهويَّة- كما قال- التى يشاركون فيها بعد رفض المشاركة في الجبهات الأخرى مثل "كفاية".
كما قال إنَّ اليوم الأوَّل للحملة ضمَّ شخصيَّاتٍ أخرى لا تهدف سوى الظُّهور الإعلاميِّ، وتتردَّد على السَّفارة الأمريكيَّة، وأرجع سبب مُشاركة بعض الشَّخصيَّات في الفعاليَّات التي تُنظَّم على السَّاحة إلى "حُبِّ الظُّهور في كادرات الفضائيَّات"، كما خشي البعض من أنْ يسرق أيمن نور الأضواء منهم!!.
الغريب أنَّ القزَّاز قال إنَّ مساعي هؤلاء قد خابت بسبب "الحشد الهائل، واصطفاف المعارضة خلفه (نور) في مشهد المؤتمر؛ حيث بدا وكأنَّه زعيمًا لهم" في تناقضٍ واضحٍ مع كلامه الأوَّل!!
وثير تصريحات القزَّاز واحدةً من أهم الآفات التي تُعاني منها النُّخبة السِّياسيَّة المصريَّة، والتي أدَّت إلى انهيار أغلب التَّحالُفات القديمة التي قامت بين قوى المعارضة المصريَّة، وهي "حبُّ الظُّهور"، وما يمكن وصفه بالأنانية السِّياسيَّة بين النُّخَبِ، وهو العامل الأوَّل في انهيار أغلب التَّحالُفات السَّابقة.
تُوقُّعات بالسُّقوط المُبكِّر
ولعل كل تلك الأجواء وغيرها، هي ما دفعت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) في تحليلٍ مُطوَّلٍ لها عن هذا التَّحالف الجديد، إلى أنْ تتوقَّع فشله؛ حيث شكَّكت الصَّحيفة في إمكانيَّة نجاح الحملة التي تشنُّها المعارضة المصريَّة ضد توريث الحكم، متساءلةً عن كيفيَّة نجاح هذه المجموعة المُتنافرة من أحزاب المعارضة والشَّخصيَّات المتناقضة أنْ تتجمَّع بنجاحٍ لتحدِّي الدَّولة البوليسيَّة التي تضغط عليهم منذ سنواتٍ طويلةٍ بالتَّخويف والاعتقالات؟!
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ التَّحالُف المُناهض للخلافة، الذي يقوده مُرشَّح الرَّئاسة السَّابق ومُؤسَّس حزب الغد أيمن نور، اكتسب زخمًا خلال المؤتمر الأوَّل له بوجود مُمثِّلين عن جماعة الإخوان المسلمين، والحركة المصرية من أجل التَّغيير "كفاية"، والجبهة الدِّيمقراطيَّة، والحزب الشُّيوعيِّ المصريِّ، وحزب العدالة والتَّنمية "تحت التَّأسيس".
ووصفت الصَّحيفة جمال مبارك نجل رئيس الجمهوريَّة، وأمين السِّياسات في الحزب الحاكم، بأنَّه لم يُختَبَر سياسيًّا، وصاحب خبرةٍ مُحدودةٍ محليًّا وعالميًّا، إلا أنَّ الصَّحيفة استدركت قائلةً إنَّه "صوتٌ مؤثِّرٌ" في الحزب الوطني الدِّيمقراطي الحاكم.
السَّببُ الحقيقيُّ للفشل
من الجائز أنْ يكون الحكم بفشل التَّحالُف الجديد مبكِّرًا أمرًا مُجحِفًا، إلا أنَّ كل الدَّلائل والمُؤشِّرات تؤكِّد على ذلك، لأنَّ التَّحالُف الجديد، وببساطةٍ، اختار طريق الفشل المُحتَّم الذي اختارته أغلب التَّحالُفات القديمة.
فالقاعدة العلميَّة الشَّهيرة تقول "البدايات المتشابهة تؤدِّي إلى نهاياتٍ متشابهةٍ"، أو مثلما قال المَثَلُ القديم "الَّذين يسلكون نفس الطُّرق يصلون إلى نفس النَّتائج"، والتَّحالُفات في مصر جميعها تقريبًا اختارت طريقًا واحدًا، لا تحاول التَّفكير خارجه، والاختلاف الوحيد يكون في المُكوِّنين للتَّحالُف، فمثلاً لو ضمَّ التَّحالُف مُمثِّلين للإخوان و"كفاية"، فنجد أنَّ أحزاب المُعارضة الأربعة الرَّئيسيَّة تُقاطعه، وإنْ ضمَّ الأحزاب الأربعة، يُقاطعه الإخوان و"كفاية"، وإنْ ضمَّ التَّحالُف بعض الشَّخصيَّات تُقاطعه شخصيَّاتٌ أُخرى لأنَّها علي خلافٍ مع المُشاركين، وهكذا.
كما أنَّ هناك ضرورةٌ لأنْ تُفكِّر النُّخَبُ السِّياسيَّة المصريَّة "خارج الصندوق"، أي أنْ تبحث عن القوى الحقيقيَّة المؤثِّرة في الشَّارع، كحركات الاحتجاج الاجتماعيِّ وحركات العُمَّال التي استطاعت أنْ تهُزَّ عروش الحُكَّام.
وكل هذا لا ينفي وجوب تنحية كافَّة الخلافات التي بين القُوى والنُّخب السِّياسيَّة جانبًا، ولو لمرَّةٍ واحدةٍ، من أجل إنقاذ ما يُمكن إنقاذَه في مصر، وخاصَّة أنَّ البلد مُقبلٌ على مرحلةٍ هي الأخطر في تاريخها الحديث، في ظلِّ الظُّروف المحلِّيَّة والدَّوليَّة الحالية!!..

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح