في الذكرى الـ53 لتأميمها.. قناة السُّويس: قرصنةٌ وأزمةٌ عالميَّةٌ تعصف بعائداتها....


كتبت- شيماء جلال وإيمان إسماعيل

منذ أيامٍ مضت، أتمَّت قناة السُّويس ثلاثة وخمسون عامًا منذ تأميمها، وفي هذه الأيام تشهد القناة أحداثًا تؤثِّر فيها بشكلٍ أو بأخرٍ، تعتبر هي الأخطر والأهم على مرِّ العقود التي مضت منذ التأميم.
وتتميَّز قناة السُّويس بأنَّ لها أهميَّةٌ دوليَّةٌ وأخرى محلِّيَّة، أمَّا عن أهميتها على المستوى الدَّولي، فهي تسهم فى نقل 14 بالمائة من تجارة العالم المنقولة بحرًا، و35 بالمائة من وإلى موانيء البحر الأحمر والخليج العربي، و20 بالمائة من وإلى موانيء الهند وجنوب شرق أسيا، و39 بالمائة من وإلى منطقة الشَّرق الآقصى، و26 بالمائة من صادرات البترول العالميَّة



.
وبشكلٍ عامٍ يستخدم الخط الملاحي الذي يمر عبر قناة السويس ما يربو على الـ20 ألف سفينةٍ بمتوسطٍ يبلغ 59 سفينة يوميًّا.
وقد "حقَّقت" قناة السُّويس انخفاضًا حادًّا في إيراداتها فى يونيو الماضي بنسبة 29 بالمائة مقارنةً بما حقَّقته فى يونيو من العام 2008م، متأثرةً في ذلك بعددٍ من العوامل، ولعلَّ أهمَّها:
- الأزمة الاقتصاديَّة العالميَّة.
- زيادة حالات القرصنة على السُّفن التجارية بالقرب من خليج عدن والسُّواحل الصُّوماليَّة.
وقد وضع هذان التَّحديان قناة السُّويس في موقفٍ صعبٍ؛ فقد أحدثت الأزمة المالية حالة تراجعٍ في حركة التِّجارة الدَّولية، بينما مثَّلت أعمال القرصنة البحرية تهديدًا لحركة النَّقل البحريِّ في العالم، وكلاهما كان له أثرٌ مباشرٌ على هذا المرفق البحري الهام مصريًّا ودوليًّا.
وكان اللواء أحمد فاضل رئيس هيئة قناة السُّويس قد أعلن أثناء الإحتفال الذي أُقيم بمحافظة الإسماعيليَّة في ذكرى تأميم القناة أنَّه على الرَّغم من تراجُع عائدات القناة إلا أنَّها تُعْتَبر ثاني أعلى عائدات قياسية تحققها القناة في تاريخها منذ افتتاحها للملاحة في العام 1869م.

وأشار فاضل أثناء حديثه إلى أنَّ عائدات قناة السُّويس بدأت تشهد استقرارًا واضحًا في حجم التَّراجُع خلال الأشهر الأربعة الماضية، متوقعًا أنْ يُحقِّق شهر يوليو الجاري أعلى عائدٍ خلال هذا العام، بعد أنْ بدأت تظهر إشاراتُ تحسُّنٍ في العائدات منذ شهر أبريل الماضي.
وأضاف في حديثه أنَّه: "لدينا مؤشراتٌ تؤكِّد زيادة أعداد السُّفن، وارتفاع الحمولات، كما أنَّ سوق النَّقل البحري بدأت تنتعش قليلاً".
وتطرق فاضل في حديثه عن قناة السُّويس إلى المرحلة الحالية من أعمال تعميق غاطس قناة السُّويس للوصول إلى 66 قدمًا بدلا من 62 قدمًا حاليًا، لإمكان استيعاب المزيد من السُّفن الضَّخمة، مضيفًا أنَّه تمَّ الانتهاء من تنفيذ نحو 96 في المائة من أعمال هذه المرحلة، وأنَّه سيتم الانتهاء من هذه المرحلة خلال هذا العام، مشيرًا إلى أنَّ قناة السُّويس بعد انتهاء هذه المرحلة، ستصبح قادرة على استيعاب السُّفن التي تبلغ حمولتها 240 ألف طن، بدلاً من 220 ألف طن حاليًا.
وأكد فاضل أنَّ تأثير القرصنة على عائدات قناة السويس "لم يزد" على 10 بالمائة "فقط"، فيما أرجع السَّبب الأكبر للانخفاض إلى الأزمة الماليَّة العالميَّة، وتراجٌع حركة التِّجارة بين دول الشَّمال الغني والجنوب الفقير.
تفاؤل.. ولكن!!
وعلى الرَّغم من حديث فاضل المتفائل، إلا أنَّ المؤشرات القادمة من الخارج لا تقول ذلك، فتداعيات الأزمة الاقتصاديَّة أدَّت إلى أنْ تتخِّذ بعض كُبريات شركات الملاحة العالميَّة قراراتٌ بتحويل مسار سفنها من القناة إلى رأس الرجاء الصَّالح، ومنها شركة "إيه. بي. مولر- مايرسك" الدَّنماركيَّة، التي تمتلك أسطول نفطٍ كبيرٍ مكونًا من 50 ناقلةً، وشركة "سفتيتزر" التي تعد أكبر شركة في العالم لتشغيل سفن القَطْر، ومجموعة "أدوفيل" النِّرويجيَّة لناقلات المواد الكيماويَّة، وشركة كبيرة أخرى لتشغيل سفن نقل الغاز المُسال.
كما انخفضت قيمة عقود تأجير السُّفن من 168 ألف دولار إلى أقل من مائة ألفًا للرِّحلة الواحدة، بينما ارتفعت أسعار التَّأمين على السُّفن بحوالي 10 بالمائة للرَّحلات التي تمر بخليج عدن، الأمر الذي يؤدِّي لإرتفاع تكلفة المرور بقناة السُّويس، وارتفعت أسعار الشَّحن بنحو 50 بالمائة.
وعلى المستوى المحليِّ شهدت قناة السُّويس مع نهاية ديسمبر الماضي تراجعًا ملحوظًا في أعداد السُّفن العابرة للقناة بنحو 22 سفينة عن المتوسط اليوميِّ المُسجَّل، والذي يبلغ 59 سفينة، وتراجعت إيرادات القناة خلال شهر يناير الماضي بنسبة‏ 19.7 بالمائة؛ ‏حيث بلغت ‏332.4‏ مليون دولار بانخفاضٍ قدره 81.8‏ مليون دولار عن إيرادات يناير ‏2008‏م، التي بلغت ‏414.2‏ مليونًا.
وأظهرت إحصاءاتٌ حديثةٌ لهيئة قناة السُّويس، تراجُع عائدات القناة خلال الرُّبع الأوَّل من العام الجاري، مقارنةً مع ذات الفترة من العام الماضي؛ حيث بلغ عائد القناة خلال الأول من يناير، وحتى شهر مارس 962.1 مليون دولار مقابل مليار و238.8 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام 2008م بتراجعٍ قدره 28.8 بالمائة.
وأظهرت الاحصاءات أيضًا تراجُع المتوسط اليومي لأعداد السُّفن وحمولاتها المارَّة بالقناة خلال الرُّبع الأول من العام الجاري بالمقارنة بذات الفترة من العام الماضي؛ حيث بلغ المتوسط اليومي لأعداد السفن المارَّة بقناة السويس خلال الفترة من أول يناير وحتى نهاية مارس 44.7 سفينةً يوميًّا، مقابل 55.9 سفينةً يوميًّا خلال الفترة المقابلة من العام الماضي، بنسبة تراجُع بلغت 20 بالمائة.
كما شهد شهر يونيو 2009م خفاض عائدات القناة بنسبة 29 بلمائة بما قُدِّر بـ342.4 مليون دولار بعد أنْ كانت 479.4 مليون دولار في الشَّهر نفسه من العام الماضي.
أزمةٌ حقيقيَّةٌ:
ومع التَّراجُع المتواصل والمستمر لعائدات قناة السُّويس، إحدى أهم روافد العملة الصَّعبة للاقتصاد المصريِّ، نجد أنَّ هناك ظلالٌ لأزمةٍ حقيقيَّةٍ في الإقتصاد المصريِّ حادثةٌ نتيجةً للتَّأثُّر بتراجع عائدات القناة؛ وأمام لغة الأرقام التي لا يمكن تكذيبها، يصبح الأمر واضحًا جليًّا لاستنباط الأسباب التي أدَّت للتَّراجُع في عائدات القناة.
وأشارت أغلب التَّوقُّعات إلى أنَّ أعمال القرصنة قبالة سواحل الصُّومال، واستمرار تداعياتها تُلقي بظلالها على عائدات قناة السويس؛ حيث أثرت عمليَّات القرصنة على خطوط الشَّحن البحريِّ التي ترُبط الشَّرق الأوسط وآسيا بأوروبا وما بعدها عبر قناة السويس، يُضاف إلي ذلك تبعات الأزمة الماليَّة العالميَّة، وما تسبَّبت فيه من تراجع حركة التِّجارة العالميَّة كما سبق القول.
ولكن إذا ما أردنا شيئًا من التَّفصيل، فسنجد أنَّ أعمال القرصنة تُعدُّ من كبرى التَّحديات التي تسبَّبت في تراجع عائدات قناة السويس؛ حيث زادت أنشطة القراصنة في الرُّبع الأول من العام الحالي، وتركَّزت بالقرب من شواطيء خليج عدن والسَّواحل الصُّوماليَّة، والتى تمتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف كيلومترٍ.
وفي دراسةٍ صدرت عن الأكاديميَّة العربيَّة للعلوم والتُّكنولوجيا والنَّقل البحريِّ في مطلع فبراير 2009م، أشارت الدِّراسة إلى أنَّ نشاط القراصنة لم يقتصر على النَّاقلات الصَّغيرة، بل بدأ يتعامل مع النَّاقلات الكبيرة أيضًا؛ حيث تعرضت السُّفن الكبيرة من نوع ناقلات الحبوب لـ39 حادثة عام 2008م وسفن الحاويات لـ 37 حادثة، وناقلات البترول والكيماويات لـ 25 حادثة.
وكانت صحيفة (ذي جارديان) البريطانيَّة قد حذَّرت من قبل من تصاعد وتيرة أعمال القرصنة في خليج عدن، مشيرةً إلى أنَّها قد تشل حركة التِّجارة الدَّوليَّة عبر قناة السُّويس، وبالفعل، وباعتراف فاضل فإنَّ 10 بالمائة من أنشطة القناة تأثرت بالقرصنة، وهي نسبةٌ كبيرةٌ وليست هيِّنةً كما حاول اللواء فاضل تصويرها.

ودعا تقرير لمُؤسَّسة "تشاتام هاوس" المختصة بشئون السِّياسة الخارجيَّة، إلى تعزيز وجود القوَّات البحريَّة الدَّوليَّة في المنطقة من أجل التَّصدِّي للقراصِـنة، ومعظمهم صوماليون، وهو ما لا يصبَّ في مصلحة الأمن القومي المصريِّ والعربي، مع تراجُع مصر والدِّول العربيَّة عن قرارٍ سابقٍ بالتَّواجُد العسكريِّ في هذه المنطقة، ولا يوجد سوى الأردن فقط التي لها وجود عسكري في هذه المنطقة من بين البلدان العربيَّة.
في المقابل جاء تصريح رئيس شركة "فرونت لاين" النَّرويجَّية، أكبر مُلاك ناقلات النَّفط في العالم، أنَّ الشَّركة تدرس تجنُّب توجيه أسطولها نحو خليج عدن وقناة السُّويس، بسبب عمليَّات القرصنة.
وفي محاولة للوقوف على حقيقة الأمر، وتقدير حجم الخسائر الاقتصاديَّة والإستراتيجيَّة التي تهدد قناة السُّويس، كأهم مجرىً مائيٍّ عالميٍّ، صرح الخبير الاقتصاديِّ المصريِّ أحمد السَّيِّد النَّجار المُحلِّل والخبير بمركز الدِّراسات السِّياسيَّة والإستراتيجيَّة بـ(الأهرام)، أن "إيرادات قناة السُّويس تشكل حوالي ‏3 بالمائة من إجمالي النَّاتج المحليِّ المصريِّ‏،‏ ولهذا فإنَّ الاقتصاد القومي متأثَّرٌ بلا شكٍّ من هذه التَّداعيات .
ولكن النَّجار قال إنَّه تبقى لقناة السُّويس مَيْزة، وهي قِـصَـر زمن الرِّحلة البحريَّة عن طريق رأس الرجاء الصَّالح بنحو ثلاثة أسابيع‏، وهو ما يعني انخفاض التَّكاليف وسرعة وصول السُّفن لمقاصدها.
وتطرق النَّجار في حديثه الذي كان لموقع (سويس إنفو) العربيِّ إلى مسألة الحديث عن تحويل مسار السُّفن من قناة السُّويس إلى طريق رأس الرجاء الصَّالح بالتَّفصيل؛ حيث أوضح أنَّ ذلك "أمرٌ عبثيٌّ، وغير واردٍ" مبرزًا أنَّ التجارة النَّفطيَّة وغير النَّفطيَّة الخارجة من منطقة الخليج العربيِّ وبعض بلدان جنوب آسيا والمتجهة غربًا تجاه الأمريكتَيْن وإفريقيا وأوروبا، سواءً عبر قناة السُّويس أو عبر طريق رأس الرَّجاء الصَّالح‏ "لابد وأنْ تمر في منطقة بحر العرب أو خليج عدن، مما يترتَّب عليه أنَّ مخاطر أعمال القرصنة ستتوجه إلى كليهما".
وكلام النَّجَّار في حقيقة الأمر خطير؛ حيث يُثير جانبًا سياسيًّا مهمًّا في قرارات الشركات التي حوَّلت مسارها؛ حيث يعني ذلك في جانبٍ من جوانبه أنَّ المقصود بقرارت تحول المسار هو الإضرار بالاقتصاد المصري، ويزيد من احتماليَّة ذلك وجود رؤوس أموالٍ يهوديَّةٍ كثيرة تستثمر في هذه الشَّركات.
وأبرز الخبير الاقتصادي أن الحل يكمن في مواجهة أعمال القرصنة من خلال تدمير الموانئ الخاصَّة بالقراصنة‏, وتسيير دوريَّاتٍ بحريَّةٍ مُشتركةٍ، يتم التَّعاون في تسييرها وتمويلها بين مصر والمملكة العربيَّة السَّعوديَّة واليمن، لفرض الأمن في خليج عدن والبحر العربيِّ، والقضاء على كل أشكال القرصنة، موضحًا أنَّ مواجهة القرصنة في الأجل البعيد تتطلَّب جهدًا فعالاً من الدِّول العربيَّة، وبالأخص مصر والسَّعوديَّة.


0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح