لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!




المصدر: صحيفة (هاآرتس) الإسرائيليَّة
التَّاريخ: 21 أكتوبر 2009م
المُؤلِّف: جوناثان داحوه حاليفي
ترجمة: سامر إسماعيل
*.*.*
على الرَّغم من ادعاءاته، فإنَّ (القاضي الدَّولي الجنوب أفريقيِّ ريتشارد) جولدستون، لم يُحمِّل حماس المسئوليَّة عن الإرهاب.
القاضي ريتشارد جولدستون الذي ترأَّس بعثة الأمم المتحدة للتَّحقيق في عمليَّة الرَّصاص المصبوب، رفض الانتقادات الإسرائيليَّة التي وُجِّهت لتقريره، والتي وصفته بغير المُتوازِن والمنحاز لفريقٍ على حساب فريقٍ آخر. من بين أمورٍ أخرى،  ادَّعى تقرير جولدستون أنَّ الأفعال التي ارتكبتها كلاً من إسرائيل وحماس يمكن أنْ تُوصَّف بجرائم الحرب، ويمكن أنْ ترقى إلى اعتبارها جرائم ضد الإنسانيَّة.
وعلى الرغم مما ذكرناه آنفا فمن الواضح أنَّه من وجهة النَّظر القانونيَّة، فإنَّ قيادة حماس لا تشعر بأنَّها مُهدَّدةٌ.
في الحقيقة فإنَّ قادة الحركة والنَّاطقين باسمها قد تبنُّوا تقرير جولدستون، وطالبوا بتنفيذ توصياته بالكامل. ففي السَّادس عشر من أكتوبر 2009م، طلب خالد مشعل زعيم حركة حماس من المجتمع الدَّولي أنْ يسعى لملاحقة زعماء إسرائيل السِّياسيِّين والأمنيِّين والعسكريِّين ومحاكمتهم أمام المحاكم الدَّوليَّة، من أجل ما يُسمَّى بجرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الشَّعب الفلسطينيِّ.
خالد مشعل ومحمود الزهار وقادة آخرين من حماس لم ينسوا أنْ يُقدِّموا الشُّكر لمختلف مُنظَّمات حقوق الإنسان التي ساهمت جميعها في وضع تقرير جولدستون من أجل الوقوف إلى جانب الشَّعب الفلسطينيِّ.
لماذا قادة حماس ليسوا قلقين من هذا التَّقرير؟.. الإجابة كانت واضحةٌ في خطابٍ أدلى به (رئيس حكومة الوحدة الوطنيَّة الفلسطينيَّة المُقالة في قطاع غزَّة) إسماعيل هنيَّة يوم 14 أكتوبر عام 2009م، للفلسطينيين الذين أصيبوا أثناء الحرب.. قال: "نحن نُبارك ونشكر الَّلجنة التي أعطيناها كل ما طلبته أثناء التَّحقيق، بالإضافة إلى الوثائق التي ساعدت على نشر التَّقرير في شكله الحالي. أمَّا بالنِّسبة للتَّعليقات العرضيَّة التي جاءت في التَّقرير، وتتَّهم المقاومة وحقَّ الشَّعب الفلسطينيِّ في الدِّفاع عن نفسهن فليس معنى وجودها أنَّنا لا نُؤيِّد التَّقرير".
في الواقع أنَّ هنية لم يهتم بما جاء في التَّقرير من اتِّهاماتٍ للفلسطينيِّين بالمسئوليَّة عن الهجمات الإرهابيَّة وإطلاق الصَّواريخ على إسرائيل، مُعتبرًا أنَّ تلك الاتِّهامات مُجرَّد ضريبةٍ كلاميَّةٍ من قِبَلِ الَّلجنة من دون أنْ تُشكِّل أيَّ تهديدٍ لحماس.
بعد قراءة تقرير جولدستون بالكامل تبيَّن أنَّ تفسير إسماعيل هنيَّة هو التَّفسير الصَّحيح. فحماس بحُكم الواقع، تُعْتَبَر إدارةٌ وسلطةٌ في قطاع غزة، وقادتها السِّياسيِّين لم يُتَّهموا بالمسئوليَّة عن الإرهاب وإطلاق الصَّواريخ، وبدلاً من ذلك تحدَّث التَّقرير عن اتِّهامه لـ"الجماعات الفلسطينيَّة المُسلَّحة"، وهي عبارةٌ غامضةٌ تكرَّرت أكثر من مرَّةٍ في التَّقرير.
فعلى سبيل المثال تنص الفقرة "1747" في صفحة "541"، على ما يلي: "وفيما يتعلَّق بإطلاق صواريخ وقذائف الهاون على جنوب إسرائيل من قِبَلِ مجموعاتٍ مُسلَّحةٍ في قطاع غزَّة، فإنَّ البعثة ترى أنَّ الجماعات الفلسطينيَّة المُسلَّحة فشلت في التَّمييز بين الأهداف العسكريَّة والسُّكَّان المدنيِّين والأهداف المدنيَّة في جنوب إسرائيل، إذ أنَّ الصَّواريخ وقذائف الهاون لا يُمكن أنْ تستهدف بدقَّةٍ كافيةٍ الأهداف العسكريَّة، وتُخالف المبدأ الأساسيِّ للتَّمييز؛ حيث إنَّه لا يوجد أيُّ هدفٍ عسكريٍّ مقصودٍ، فإنَّ إطلاق الصَّواريخ وقذائف الهاون على المناطق المدنيَّة يُشكِّل هجومًا مُتعمَّدًا ضد السُّكَّان المدنيِّين. إنَّ هذه الأعمال تُشكِّل جرائم حربٍ، وقد تصل إلى حدِّ جرائم ضد الإنسانيَّة".
جزءٌ من الخداع
سُلطَة الأمر الواقع لحماس في قطاعِ غزَّة لم تتلقَّ أيَّ شيءٍ ضدَّها، بل احترمتها لجنة جولدستون، فلم تذكر الَّلجنة مثلاً أنَّ حماس سلطةٌ إسلاميَّةٌ فاشيَّةٌ أو مُنظَّمةٌ إرهابيَّةٌ تُؤيِّد قتل اليهود في فلسطين عن طريق الحرق كما ذكر أحد قادة حركة حماس، بالإضافة إلى إلقاء أنصار حركة فتح من فوق أسطُح المنازل، وإطلاق النَّار عليهم، والاستيلاء على المُؤسَّسات الإداريَّة في قطاع غزَّة من خلال عمليَّةٍ عسكريَّةٍ سالت فيها الدِّماء.
حماس في الوقت الرَّاهن تقوم بفرض القانون الإسلاميِّ (الشَّريعة) في قطاع غزَّة، وتفرض قيودًا على حُرِّيَّة المرأة، وهو ما يُعدُّ تجاهلاً صارخًا لحقوق الإنسان الأساسيَّة.
على العكس ممَّا ذكرناه، فلجنة جولدستون قدَّمت كل الاحترام لسُلطة الأمر الواقع لحماس، في قطاع غزَّة، وميَّزت بينها وبين الجماعات الفلسطينيَّة المُسلَّحة في قطاع غزَّة، كما لو كانت هذه الجماعات غير خاضعةٍ لسُلطة حماس، أو تعمل ضد سياسة حماس منذ ثمان سنوات في إطلاق الصَّواريخ وقذائف الهاون على إسرائيل.
تقرير جولدستون يدَّعي أنَّ كتائب (الشَّهيد) عزِّ الدِّين القسَّام، الجناح العسكري لحركة حماس، ليست تحت سيطرة وسلطة حماس، أو حتى تحت سيطرة القادة السِّياسيِّين لإدارة الأمر الواقع في قطاع غزَّة. وهذا هو السَّبب الذى جعل الَّلجنة تتجنَّب وصف حركة حماس بالمسئوليَّة عن إطلاق الصَّواريخ والهجمات الارهابيَّة ضد اسرائيل. هؤلاء المسئولين عن إطلاق الصَّواريخ وقذائف الهاون، وفقًا للتَّقرير، هم عناصرٌ مجهولةٌ في الميدان، وأسماؤهم يتم الكشف عنها فقط بعد موتهم، لذلك مسألة تقديمهم للمحاكمة في المحكمة الجنائيَّة الدَّوليَّة في لاهاي لم يعُد مُناسبًا.
حماس ترفض تفسير الَّلجنة ولا تريد أنْ تُخفي الحقيقة بأنَّ الجناح العسكريَّ يستجيب للجناح السِّياسيِّ، وكلاهما مُرتبطان ارتباطًا وثيقًا ببعضهم البعض. ففي عام 2007م، أوضح إسماعيل هنيَّة خلال مقابلةٍ أُجْرِيَت معه "أنَّ حركة حماس هي الجناح الجهاديِّ لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، وأنَّها كانت جناحًا عسكريًّا"، وعندما سُئِلَ عمَّا إذا كان هناك اتِّصالٌ بين حماس وجناحها العسكريِّ؛ كتائب عزِّ الدِّين القسَّام، أجاب بأنَّ كتائب عزِّ الدِّين القسَّام "هي جزءٌ من حركة حماس، ولكن الاعتبارات الأمنيَّة تتطلَّب فصل السِّياسيِّين عن العسكريِّينن وهذا هو ما حدث خلال السَّنوات العشر الماضية، ولكن كلاً من السِّياسيِّ والعسكريِّ يقوم بتنفيذ سياسات الحركة"، وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ أخرى تدلُّ على ذلك.
وعلاوةٌ على ذلك، فإنَّ القادة السِّياسيِّين لحركة حماس، وخاصَّة قادة سُلطة الأمر الواقع بقطاع غزَّة، يتباهون بمسئوليَّتِهم عن إطلاق الصَّواريخ والعمليَّات الإرهابيَّة ضد إسرائيل، حتى أنَّهم وثَّقوا عمليَّاتهم من خلال أشرطة الفيديو التي وُضِعَتْ على مواقعهم الإلكترونيَّة في ألبومٍ يُسمى "ألبوم انتصار".
لا يبدو واضحًا أنَّ الجهل كان هو المسئول وحده عن تجاهل لجنة جولدستون لوجود اتِّصالٍ مُباشرٍ بين حماس والمجموعات الفلسطينيَّة المُسلَّحة. فمن العدل أنْ نُؤكِّد على أنَّ انحياز الَّلجنة كان مُتعمَّدًا لصالح حماس، وأنَّ الَّلجنة اتبعت منهجيَّةً غريبةً تُعبِّر عن جهلها بطريقة تقصِّي الحقائق. اتَّضح ذلك في شهادات شهود العيان الفلسطينيِّين، ومن الأسئلة التي طُرِحَتْ عليهم حول الأنشطة الإرهابيَّة التي قام بها الفلسطينيُّون ضد إسرائيل أثناء الحرب.
قضيَّة مسئوليَّة حماس عن ارتكاب جرائم حربٍ غير واضحةٍ في التقرير، مثلها مثل العديد من الادِّعاءات التي جاءت في التَّقرير، والذي يُظهِر أنَّه كان خدعةً، وهدفه الوحيد هو إظهار إسرائيل على أنَّها مسئولةٌ عن ارتكاب جرائم حربٍ في الوقت الذي يتم فيه تبرئة حماس.
خالد مشعل وإسماعيل هنيَّة من المُمْكن أنْ يأخُذا إجازة إلى لاهاي دون قلقٍ من تداعيات تقرير جولدستون، ولكن للأسف لاينطبق الشَّيء نفسه على جابي أشكنازي رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي..
----------------------------
جوناثان داهوه حاليفي: باحثٌ بارزٌ وزميلٌ في مركز القدس للشئون العامَّة، ومدير البحوث في مجموعة بحوث الشَّرق الإسرائيليَّة

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح