حقائق المشهد في صعدة اليمنيَّة...

الأوضاع في صَعْدة تُنْذِرُ بمواجهةٍ إقليميَّةٍ جديدةٍ بدأت بالفعل!!..
-    حتى الآن لا يوجد شيءٌ واضحٌ في شأن  التَّورُّط الإيرانيِّ في الأزمة
-    الحرب جزءٌ من أزمةٍ إقليميَّةٍ أخرى تشمل دورًا مصريًّا
-    الأزمة مُرشَّحةٌ للتَّصاعُد وخصوصًا على الحدود اليمنيَّة

كتب: عبد العظيم الأنصاري
مرَّ المشهد المأزوم في مدينة صعدة، شمال اليمن، بالعديد من التَّطوُّرات الفارِقة في الفترة السَّابقة، عَكَسَتْ هذه التطورات بعض الحقائق عن حقيقة المشهد، سواءً في صعدة أو على مستوى خلفيَّاته الإقليميَّة والدَّوليَّة، وخصوصًا فيما يتعلَّق بالدَّور الإيرانيِّ والسَّعوديِّ في الأزمة، والذي انكشف جليًّا، بعدما قيل عن تدخُّل السَّعوديَّة مباشرةً في القتال الدائر في منطقة جبل دخان، بواسطة سلاحها الجويِّ وعناصر المشاة التابعة لقواتها البرِّيَّة.
التَّطوُّرات الميدانيَّة لا تبشِّر بخيرٍ، وتشيرُ إلى مزيدٍ من التَّصعيد، مع تحصين الحوثيِّين لأنفسهم جيِّدًا، وحسن تسليحهم وتدريبهم؛ حيث أكَّد الحوثيُّون أنَّهم قد صدُّوا الهجوم البريِّ السعوديِّ الذي وقع في منطقة جبل دخان ومناطقٍ حدوديَّة أخرى، ونجحوا أيضًا في أسر عددٍ للجنود السَّعوديِّين، بحسب ما أكده محمد عبد السلام المتحدث باسم جماعة الحوثي، الذي قال أيضًا إنَّ جماعته استولت على عتادٍ وذخائرِ سعوديَّة الهُويَّة.
وهو ما يوضِّح أنَّ المعركة لن تكون سهلةً؛ حيث إنَّ هناك ستةٌ عسكريِّين من "الأسرى" السَّعوديِّين ستة، ولكن بجانب هؤلاء العسكريِّين، هناك ضابط مخابرات سعودي تمَّ "أسره" في معارك جبل دخان، في المُقابل قالت السلطات السَّعوديَّة إنها سوف تواصل عملياتها داخل وعلى الحدود اليمنيَّة "لحين اكتمال تطهير كافَّة المواقع داخل الأراضي السَّعوديَّة من أيِّ عنصرٍ مُعادٍ، مع اتِّخاذ التَّدابير الَّلازمة للحدِّ من تكرار ذلك مستقبلاً" بحسب بيانٍ نشرته وكالة الأنباء السَّعوديَّة الرَّسميَّة.
وبعيدًا عن التَّطوُّرات الميدانيَّة، والتي كان آخرها سقوط مقاتلة يمنيَّة من طراز سوخوي، وهي- كما قلنا- مُرشَّحةٌ للتَّصاعُد، مع تعهُّد الرَّئيسِ اليمني علي عبد الله صالح بمواصلة القتال لحين اجتثاث الحوثيِّين، بالإضافة إلى الحصار البحريِّ الذي فرضته القوات السَّعوديَّة على جزءٍ من السَّواحل اليمنيَّة لمنع تهريب السِّلاح إلى الحوثيِّين؛ فإنَّ هناك العديد من الدَّلالات السياسيَّة وراء ما يجري في هذه المنطقة شديدة الحساسيَّة بالنسبة للأمن القومي العربي.
قوةٌ ضاربةٌ
أول هذه الدَّلالات، ظهور الحوثيين كقوةٍ ضاربةٍ استطاعت الصمود أمام الجيش اليمني لتتسلل إلى المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، وهو ما استدعى الاخيرة للتدخل للتَّصدي لـ"التهديد الحوثي"؛ حيث قامت قوات المملكة بقصف المواقع التي تمركز فيها المتمردون الحوثيون في جبل الدخان الذي يطل على مواقعٍ عسكريَّة سعوديَّة ومواقعٍ يمنيَّة في الجهة المقابلة، وشنِّ عددٍ من الغارات على مواقعٍ مختلفةٍ للحوثيين، وذلك- كما قالت الرياض- ردًّا على تسللهم الى أراضيها وقتل جنديين واصابة آخرين.
كما أنَّه في الجهة المقابلة، فإنَّ خطورة المرحلة القادمة في أزمة الحوثيين، ليست على طرفٍ واحدٍ، بل على كلٍّ من اليمن والسَّعوديَّة، فالجيش اليمني الذي يساوي في عدده تقريبًا الجيش السعودي يخوض الحرب ضد الحوثيين منذ العام 2004م، من دون تحقيق انتصارٍ حاسمٍ وواضحٍ.
أمَّا الجيش السَّعودي، فبالرَّغم من أنَّه مُجهزٌ بالعتاد بصورةٍ أفضل كثيرًا من الجيش اليمني، إلا أنَّ الرياض لا تبدو واثقةٌ إلى هذا الحدِّ من تحقيق "النَّصر"؛ حيث أخلت القرى الحدوديَّة مع اليمن، وجهزت للأهالي أماكن أخرى لحمايتهم، وذلك استعدادًا فيما يبدو لخوض حربٍ طويلةٍ، لنْ تُحْسَم بسهولةٍ لصالح أيٍّ من الأطراف المُتحاربة.
توافقٌ نادرٌ!!
أظهرت الأزمة أيضًا وجود شكلٍ من أشكال التَّوافُق اليمني السعودي، وهو وضعٌ نادرٌ؛ حيث العلاقات ما بين البلدَيْن ما فتئت تتوتر كل حينٍ منذ استقلال شمال اليمن في الستينيات الماضيَّة، ولكن الأزمة الحاليَّة جعلت السَّعوديَّة هي الحليف الأول للحكومة اليمنيَّة بعد الولايات المتحدة.
في المُقابل يتهم النِّظام اليمني الحوثيِّين بتلقي دعمٍ إيرانيٍ، وما كان في السَّابق مجرد اتهاماتٍ يمنيَّة لأطرافٍ داخل إيران بالتَّورُّط في دعم تمرد الحوثي، تحول الآن- بحسب الحكومة اليمنيَّة- إلى حقائقٍ تثبِّتُها قرائن وأدلة؛ حيث عثر الجيش اليمني على وثائق تحمل اسم (يمن خوش بخت)، وهي عبارةٌ فارسيَّة تعني بالعربيَّة "اليمن السَّعيد".
وبحسب مصادر الجيش اليمني، فإنَّ هذه الوثيقة تتحدَّث عن عتادٍ ورجالٍ وأموالٍ وخبراتٍ يجري تصديرها إلى المُقاتلين الحوثيِّين، بالإضافة إلى التَّدريب على الدَّعايَّة والتَّعبئة الجماهيريَّة، ويهدف كل هذا إلى تقسيم اليمن إلى دولتَيْن خاضعتَيْن بشكلٍ أو بآخر للنُّفوذ الإيراني، بالاستناد إلى معلوماتٍ نُقِلَت عن مصادرٍ في الجيش اليمني، وإلى معلوماتٍ أخرى عن المُعارضة الإريتريَّة تُفيد بأنَّ إيران تُدرِّب ميليشيات الحوثيِّين في إريتريا.
على المستوى العسكري أو الإستراتيجيِّ تكمن صعوبة الموقف السعودي في أنَّ العمليَّات التي يشنُّها الجيش السعوديِّ على الحوثيين في الوقت الرَّاهن هي أولى العمليَّات العسكريَّة التي يخوضها الجيش السَّعوديِّ وحده منذ بنائه، ممَّا يُقلِّل من شأن فاعليَّة الإمكانياَّت المُتطوِّرة التي يملكها الجيش السعودي، فبرغم أنَّ السَّعوديَّة هي أولى الدِّول في المنطقة في استيراد الأسلحة، إلا أنَّه لم يسبق لها وأنْ خاضت حربًا بجيشها، بالإضافة لما أثبته الحوثيُّون من ثباتٍ على أرض القتال وقوَّةٍ مكَّنتهم من مُجابهة الجيش اليمنيِّ طيلة خمسة أعوامٍ والاحتكاك بالمملكة العربيَّة السَّعوديَّة.
صراعٌ إقليميٌّ
التحول إلى الأقلمة، صار هو العلامة الثالثة للأزمة في صعدة؛ حيث تتحوَّل أزمة تمرد الحوثي من أزمةٍ يمنيَّة داخليَّة إلى جزءٍ من سلسلة الصراع الاقليمي بين إيران وبعض الاطراف العربيَّة، المُصنَّفة ضمن ما يُعْرَفُ بمحور الاعتدال، مثل السَّعوديَّة ومصر.
وتتزايد التَّاكيدات على صحة هذا الطَّرح كلما تدحرجت الأزمة، تمامًا مثل كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت إلى سفح الجبل؛ حيث بدأت الأزمة باتهاماتٍ يمنيَّة مُتواصلة لـ"أطرافٍ" في ايران بالتورط في الأزمة ودعم الحوثيين، وصولاُ إلى ضبط أدلَّةٍ على هذه الاتِّهامات، مرورًا بإعلان اليمن إغلاق المستشفى الإيرانيِّ بصنعاء بتهمة تمويل الحوثيِّين، بالإضافة إلى الَّلهجة الإعلاميَّة الهجوميَّة في وسائل الإعلام السَّعوديَّة والمصريَّة على إيران.
ووصل الأمر إلى درجة وقف بث قناة (العالم) الإخباريَّة الإيرانيَّة على القمرَيْن الصِّناعيَيْن، "النَّايل سات" و"العرب سات"، وتُبثُّ القناة حاليًا من خلال موقعها الإلكترونيِّ.
ويرى بعض المراقبين أنَّ ما يُشير إلى وجود علاقةٍ بين إيران والحوثيِّين، عروض طهران ذاتها للتَّوسُّط في الأزمة الحوثيَّة بين الحكومة اليمنيَّة والحوثيِّين، والحديث كذلك عن وجود دور وساطةٍ قطريَّة- سوريَّة بين كلٍّ من صنعاء وطهران؛ حيث قام أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثانِ، ووزير الخارجيَّة السُّوريُّ وليد المعلِّم بزيارة طهران لهذا الغرض مًؤخَّرًا لهذا الغرض.
بالاضافة طبعًا لإلى اتِّهام الحوثيِّين للسَّعوديَّة بدعم حكومة صنعاء، مقابل اتِّهام صنعاء لجهاتٍ إيرانيَّة بدعم الحوثيِّين.
الموقف الأمريكيِّ
عبر الأطلنطي، تتخوَّف الولايات المتحدة من الاضطرابات الواقعة على الحدود اليمنيَّة السَّعوديَّة، من أكثر من مُنطلَقٍ.
المنطلَق الأوَّل هو تورُّط أكبر دولةٍ مُصدِّرةٍ للنفط في العالم في حربٍ لن تجني سوى الخراب، ولذلك لا تُؤيِّد- للغرابة- الولايات المتحدة توغلاً سعوديًّا أكبر في الأزمة، لكن من غير المُرجَّح أنْ تعترض بشدَّة إذا أوضح اليمن أنَّه يُرحِّب بمساعدة الجيش السَّعوديِّ في مواجهة المُتمردين في الشَّمال.
المنطلَق الثاني هو وجود الظَّلال الإيرانيَّة في الأمر، وهو أمرٌ يثير الجنون الأمريكي، ولا يجعل لها من أملٍ في احتواء الأزمة سوى الاعتماد على تقديم المزيد من الدعم الُّلوجستي والمعلوماتي للنِّظام اليمني.
لكن المثير للانتباه هو أنَّ الولايات المتحدة التي نفذَّت أكثر من عمليَّة ناجحةٍ في صحراء اليمن وأحراش الصومال وجبال أفغانستان لقنص العديد من قيادات تنظيم القاعدة، ورموزٍ معارضةٍ للولايات المتحدة، بناءً على معلوماتٍ مخابراتيَّة من على الأرض، لم تقدِّم ما يفي باحتياجات اليمن في الجانب المخابراتي على الأرض، بما يشير إلى أنَّ هناك مصلحةٌ أمريكيَّة ما في استمرار الأزمة.
ومن خلال ما سبق، وخصوصًا في ظل وجودٍ سعوديٍّ مباشرٍ في الأزمة، وأحاديثٍ عن دَورٍ إيرانيٍّ، يمكن التَّأكيد على استمرار أزمة الحوثيِّين لفترةٍ أبعد ممَّا كان مُتوقَّعًا؛ حيث إنَّ تسلُّل الحوثيين إلى السَّعوديَّة يأتي في إطار إبراز قوَّة الحركة إعلاميًّا وتخفيف الضَّغط على بعض جبهات القتال الأخرى داخل الأراضي اليمنيَّة.
ومن ناحيَّة أخرى، كان من الممكن للسَّعوديَّة بذل دور وساطةٍ استغلالاً لثِقَلِها الدِّينيِّ والسِّياسيِّ، بدلاً من التَّدخُّل عسكريًّا، ودعم طرفٍ على حساب الطَّرَفِ الآخر.
وفي كلِّ الأحوال ستقبع الأزمة فترةً لا بأس بها على الحدود اليمنيَّة السَّعوديَّة يُمكن خلالها حدوث أو إحداث الكثير من المُتغيِّرات والمفاجآت غير المُتوقَّعة..

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح