الإخوان المسلمون ومؤتمر الحزب الوطني.. ماذا بعد؟!...

   هجوم قيادات الحزب على الإخوان يُمهِّد لمرحلةٍ من الصِّدام في السِّياسة المصريَّة
-    اضطراب جمال مبارك خلال كلمته يكشف ضعف موقفه السِّياسيِّ
-    الإخوان المسلمون قد لا يكون بيدهم تغيير خُطَطِ النِّظام

كتب: عبد العظيم الأنصاري
جَاءَ مُؤتمر الحزب الوطنيِّ الحاكم في مصر هذه المرَّة على غير العادة، فقد تعوَّد المصريون على أنَّ مؤتمرات الحزب الحاكم لا تحمل أيَّ جديدٍ يُؤثِّر في واقعهم أو مستقبلهم، فمُؤتمرات الحزب ما هي إلا تباهِ وحشٍ دميمٍ بجماله أمام مرآته المُنافقة، ولكن دون أيِّ محاولةٍ للالتفات إلى الحقيقة التي تهتف بها حشود المعارضة، وآلام الفقراء الذين يُشكِّلون غالبيَّة الشَّعب.
ورغم ما سبق إلا أنَّ أصوات القرع على طبول الجدل حول مستقبل الحكم في مصر، ومحورية الانتخابات التَّشريعيَّة والرَّئاسيَّة القادمةن أجبرت الحزب على الخروج عن لغة خطابه الهادئة لتقترب الصُّورة من الحقيقة، فكشَّر عن أنيابه للمعارضة المصريَّة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وبالرَّغم من الاستمرار في تجاهل الحديث المباشر عن مستقبل الحكم مع هذا الصَّخب والجدل، إلا أنَّ المُؤتمر الأخير حَمَلَ الكثير من الدَّلالات على نواياه تجاه مُستقبل الحكم في البلاد.
ومن الَّلافت للانتباه تلقِّي الحزب الوطني طلبَيْن من حِزْبَيْ "الليكود" و"العمل" الإسرائيليَّيْن لحضور مُمثِّلين عنهما الجلسات العلنيَّة لمؤتمر الحزب في سابقةٍ هي الأولى من نوعها منذ توقيع اتِّفاقيَّات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.
وقد قابل الحزب الطَّلب باستغرابٍ، واعتذر عن الاستجابة نظرًا لعدم تسجيل أيِّ حضورٍ إسرائيليٍّ في المؤتمرات السَّابقة له، وعدم وجود علاقاتٍ من هذا النوع بين الحزب الحاكم والأحزاب الإسرائيليَّة.
نوايا الحزب تجاه مستقبل الحكم في مصر
اتَّضحتْ خلال المُؤتمر السَّادس للحزب الوطنيِّ بعض نواياه تجاه ما تحمله المرحلة المُقبلة من تحدِّيات ترسم معالم المُستقبل السِّياسيِّ القريب للبلاد.
حيث برز جمال مبارك نجل الرئيس وأمين سياسات الحزب، كزعيمٍ مُلْهَمٍ وتأثَّر أسلوبه في الخطابة بأسلوب والده، وعبَّرت العديد من إيماءاته عن مدى هذا التَّأثُّر بوالده، واتَّسم خطابه بكلمات الثِّقة، إلا أنَّ هذه الثِّقة لم يكن منبعها داخليٌّ؛ حيث كانت حركات يده المُستمرَّة طوال الخطاب من أعلى إلى أسفل مع الإشارات "التَّوكيديَّة" المُستمرَّة بإصبعه السَّبَّابة تعكس اضطرابًا داخليًّا.
وفي محاولةٍ للتَّحايُل على هذا الاضطراب قام برفع مستوى صوته في بعض الجُمَل، خاصَّة التي يصل فيها إلى نتيجةٍ مؤدَّاها تأكيد إحدى ما يراه إنجازات الحزب، والجُمَل التي حملت معنىً تحذيريًّا للمُعارضة.
وقد لوَّح بالعصا أكثر من مرَّة في تأكيده على استعداد حزبه للرَّدِّ على ما وصفه بـ"هجوم المعارضة"، بينما لوَّح بالجزرة بحذرٍ عندما عاد وأكد "سنحاور ونتواصل، لكن سنرد الهجوم".
خرج جمال مبارك بعد المؤتمر كواحدٍ من نجوم السِّينما المصريَّة، وهو بالفعل يبدو كذلك قبل وبعد المؤتمر؛ حيث لا تتوقف وسائل الإعلام في الداخل أو الخارج عن الإشارة إليه على أنَّه الرَّئيس القادم، وقد أعطى وصف أحمد عز له بـ"مٌفجِّر ثورة الإصلاح والتَّجديد"، إيحاءَ بأنَّه زعيمٌ جديدٌ مُلْهَمٌ، وهو لقب يمنح لصاحبه هالةً خاصةً؛ وهذا ما قصده عز الذي كان لجمال مبارك الفضل في صعود نجمه سياسيًّا وماليًّا.
ففي تقريرٍ تحت عنوان "الجميلة الغامضة تستعد لأنْ تكون ملكة النيل"، قالت صحيفة (صنداي تايمز) البريطانيَّة إن جمال مبارك سيبدأ حملته ليكون مُرشَّح الحزب للرَّئاسة في انتخابات 2011م، ووصفت الصَّحيفة زوجة جمال، خديجة الجمَّال (27 عامًا)، بأنَّها جميلة تنحدر من أسرةٍ ثريَّةٍ، وتحمل شهادةً في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة، تتحدَّث الانجليزيَّة بطلاقةٍ، وتُمارس رياضة كرة القدم في إجازتها الأسبوعيَّة أحيانَّا في نادي الجزيرة الرياضيِّ.
وأضافت أنَّ خديجة نادرًا ما تظهر عبر وسائل الإعلام، لكن هذا الوضع سوف يتغيَّر عندما يتولَّى زوجها جمال مقاليد الحكم في مصر، وسوف تُطلُّ على العالم بصفتها ملكة النِّيل الجديدة.
كل ما سبق وأكثر، مُؤشرٌ على نوايا الحزب الحاكم وتجهيزاته واستعداداته لتحدِّيات المرحلة المُقبلة، وتأكيد سلطته على البلاد رغم أنف المعارضة، وسواء أكان الرَّئيس القادم هو مبارك الابن، أو استمرَّ مبارك الأب، فإنَّ الحال سيبقى على ما هو عليه من فسادٍ وانحطاطٍ على كافَّة المستويات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.
ومع ما وصلت إليه البلاد من تبعيَّةٍ لواشنطن ومن ورائها تل أبيب، ومع ما يمثله نظام مبارك (الأب والابن) من أمانٍ للكيان الصهيونيِّ، وتغطيةٍ للإستراتيجيَّة الأمريكيَّة في العالم العربيِّ والإسلاميِّ، فإنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل، ستعملان بكامل طاقاتهما على حماية النِّظام في مصر في سبيل الاستمرار.
ولذلك فإنَّه من المرجح أنْ تستمر سياسة البيت الأبيض، حتى لو كان ساكنه صاحب بشرةٍ سوداءَ، في غضِّ الطَّرف عن أيَّة انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان والدِّيمُقراطيَّة، بالرَّغم من القِيَمِ التي يتشدَّق بها البيت الأبيض وبهذه الطريقة يستطيع النِّظام إطلاق آلته الأمنيَّة ضد كافَّة القُوى المُعارِضة، وسحق من يقف في طريقه، وهذا ما تمَّ الإشارة إليه في مؤتمر الحزب الأخير.

موقف الحزب من الإخوان
تمَّت الإشارة إلى الإخوان المسلمين بشكلٍ واضحٍ في المؤتمر، الذي كانت لهجته حادَّة تجاه المعارضة بشكلٍ عامٍ، وبدا المهندس أحمد عز نادمًا باكيًا على المقاعد التي خسرها في مجلس الشَّعب في انتخابات العام 2005م، ومُصمِّمًا على عدم تكرار سيناريو 2005 في العام 2010م و2011م.
كما أشار إلى ذلك الرئيس مبارك في قوله إنَّ الانتخابات القادمة لن تكون انتخاباتٍ سهلةً، لكن أحمد عز الذي تثور شكوك حول يهوديَّة والدته وصلته بأخواله اليهود، الذين لهم بدورهم صلاتٌ بإسرائيل، والذي نفخ كثيرًا في صورة جمال مبارك كان أكثر حدَّةٍ ووضوحًا عندما قال: "الأحزاب والمُعارضة ستواجه حزبًا وطنيًّا جديدًا في الانتخابات القادمة، ولن نسمح بتفتيت الأصوات، وإذا التزم مرشَّحونا فسنحسمها من الجولة الأولى دون إعادةٍ".
والإشارات في هذا واضحةٌ إلى الإخوان المسلمين، كما كان أكثر صراحةٍ أو وقاحةٍ، عندما قال: "من يُراعي مصلحة الوطن لا يُفضِّل المُسلم غير المصريِّ على المصريِّ غير المسلم، والدِّيمُقراطية لن تأتي من مكتب الإرشاد، فالدِّيمُقراطيَّة عندهم تقوم على مبدأ مواطنٍ واحدٍ وصوتٍ واحدٍ لمرَّةٍ واحدةٍ، وبعدها يختفي الصَّوت إلى الأبد".
وبالنَّظر إلى التَّعديلات الدُّستوريَّة التي جرت في العام 2007م، وما حدث في انتخابات المحلِّيَّات في العام 2008م، نتأكَّد أنَّ الحزب الوطني يسعى إلى "قصقصة" أيِّ أجنحةٍ للإخوان، ومنعهم من تكرار الفوز الذي حقَّقوه في انتخابات 2005م.
لم يكتف الحزب بهذه الإشارات؛ حيث قال الِّلواء محمد عبد الفتاح عمر، وكيل لجنة الدِّفاع والأمن القومي والتَّعبئة القوميَّة في مجلس الشعب: "نقول الجماعة المحظورة، وهي محظورةٌ منذ عام 1954م، ولكنها إلى الآن تُمارس اجتماعاتٍ ونشاطاتٍ، وتكتُب عنها العديد من الصُّحف".
وتساءل: "لماذا نسكت عليهم؟.. لماذا لا نُصادِر البرج [مبنى يمتلكه الإخوان في شارع جسر السِّويس ويتَّخذه مُمثِّلُوهم في البرلمان مقرًّا لهم]؟.. لماذا لا نُصادر أموالهم وممتلكاتهم التي تأتي من التَّنظيم الدَّوليِّ للإخوان في الخارج؟"!!
كما قال حازم حمادي عضو مجلس الشَّعب عن الحزب الوطني: "ما هو السَّبب في سكوتنا عنهم؟!.. لابد أنْ نتَّخذ إجراءً تجاه المرشد العام".
أما وزير الدَّولة للشُّئون القانونيَّة والبرلمانيَّة الدُّكتور مفيد شهاب، فقد قال: "أعتقد أنَّه في الانتخابات القادمة، فإنَّ أيَّ شعارٍ دينيٍّ سوف يُزال".
وإذا ما عدنا إلى أحمد عز، فقد أكَّد أنَّ الوطني سوف يُعالِجَ الأخطاءَ التي وقعت في الانتخابات التَّشريعية الماضية، وتسبَّبت في مكاسبَ انتخابيَّةٍ لجماعة الإخوان المسلمين، وحدَّد عز تلك الأخطاء في تقديم أكثر مِنْ مُرشَّحٍ للحزب على المقعد الواحد في كثيرٍ من الدَّوائر، وذلك بسبب رفض أعضاء الحزب الالتزام بالتَّرشيحات الرَّسميَّة للحزب، وقال عز: "لن نقبل إلا بمُرشَّحٍ واحد لمقعدٍ واحدٍ".
ولا توجد أدلةٌ أكبر ممَّا سبق للدَّلالة على تصاعُد العداء تجاه الجماعة من أجل تنفيذ سياسة الحزب بأيِّ ثمنٍ رغم أنف الجميع، ممَّا يُنْذِرُ بتصاعد الضَّربات الأمنيَّة للجماعة بشكلٍ تدريجيٍّ إلى موعد الانتخابات القادمة التَّشريعيَّة والرَّئاسيَّة.
في هذا السِّياق، وضمن حزمةٍ من المُؤشِّرات لا يبدو أنَّ جماعة الإخوان المسلمين قادرةٌ على مَنْعِ تمرير سيناريو الحزب الوطني- أيًّا كان- ، فقط محاولاتٌ للتَّصدِّي أو التَّعطيل، ولن تستطيع الجماعة القيام بفعلٍ مُؤثِّرٍ في تحديد مُستقبل البلاد خلال المرحلة المُقبلة في ظلِّ وجود بعض الخلافات داخلها، بالإضافة إلى الوهن الشديد الذي أصاب المواطن المصري الذي تحوَّلت كل طموحاته إلى البحث عن "لُقْمَة العَيْش".
بجانب العامل الأهم، وهو الدَّعمُ الأمريكيُّ للنِّظام، والخوف الصُّهيونيُّ من صعود إسلاميِّين إلى سُدَّة الحكم في القاهرة.
ولكن تبقى لدى الجماعة فرصةٌ واحدة، وهي الحفاظ على تماسُكِها ووَحْدَةِ صفِّها وترتيب أوراقها لخوض معركةٍ جديدةٍ بحساباتٍ قد تختلف قليلاً في مرحلةٍ يُمكن اعتبارها امتدادًا لمرحلةٍ انتقاليَّةٍ عسيرةٍ، إلا إذا أرادت الحياة كما يعيشها الأبطال، في زمنٍ أبعد ما يكون عن رومانسيَّة الأيديولوجيا!!..

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح