هولدن و(الصَّنداي تايمز).. حرب المخابرات في الشرق الأوسط...


العنوان: هارولد إيفانس: القتل العمد، المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي. إيه) و(الصَّنداي تايمز)
المصدر: صحيفة (الصَّنداي تايمز) البريطانيَّة
التَّاريخ: 6 سبتمبر 2009م
المؤلف: الكاتب والصَّحفي البريطاني هارولد إيفانس، رئيس التَّحرير السَّابق لصحيفة (الصَّنداي تايمز)
ترجمة: سامر إسماعيل
*.*.*
هارولد إيفانس رئيس التَّحرير السَّابق (للصَّنداي تايمز) يكشف أسرر عالم الجاسوسيَّة بعد مقتل ديفيد هولدن مراسل صحيفة (الصَّنداي تايمز) بالقاهرة في السَّبعينيَّات الماضية.
*..*
لقد تمكنَّا في الأربعة عشر عامًا الماضية، التي عملت فيها كرئيس تحرير (الصَّنداي تايمز)، من الكشف عن كثيرٍ من الأسرار، ولكن أخطر هذه الأسرار التي يتم الكشف عنها الآن هي قضية اغتيال ديفيد هولدن رئيس شبكة مراسلي (الصَّنداي تايمز) في القاهرة في ديسمبر عام 1977م، فمن هو القاتل؟
منذ سنوات وأنا أتساءل من هو القاتل؟، ولكني لم أكتب عن هذا الموضوع من قبل، ولكنِّي الآن أكتب عن هذه الحادثة التي تتعلَّق بالجاسوسيَّة، وبدأت تتكشَّف حقائق هذه الحادثة ببطءٍ وبشكلٍ مؤلمٍ وبحقائقٍ ملموسةٍ.
في 19 نوفمبر عام 1977م، قام الرَّئيس المصريِّ محمد أنور السَّادات بزيارةٍ غير مسبوقةٍ للقدس لتقديم غصن الزيتون أمام الكنيست الإسرائيليِّ، وعرض السَّلام على إسرائيل نيابةً عن الدِّول العربيَّة، وذلك بعد تحقيق النَّصر في عام 1973م على إسرائيل.
السَّادات تعرَّض للشَّجْب من قِبَلِ الدِّول العربيَّة، كما اتُّهِم بالخيانة من قِبَلِ سوريا وليبيا والعراق واليمن الجنوبيِّ وجميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينيَّة.. هذه الدول رتَّبت لقاء قمة لتوجيه اللوم للسَّادات في ليبيا بعد زيارة السَّادات لإسرائيل.
هولدن الذي كان يبلغ من العمر 53 عامًا، وكان كالنَّجم السَّاطع كأفضل مراسلٍ صحفيٍّ يُغطِّي أخبار الشَّرق الأوسط، والذي تمكَّن من تغطية حرب يونيو 1967م، وحرب اكتوبر المعروفة بحرب يوم الغفران عام 1973م.
لقاءات هولدن بمسئولي المخابرات والدبلوماسيِّين والأكاديميِّين ورؤساء تحرير الصحف العربيَّة، جعلته دائمًا في خطرٍ، خاصة وأنَّه يعمل في منطقةٍ متوترةٍ.
هولدن كان يؤلِّف كتابًا عن المملكة العربيَّة السعوديَّة، ولكن في ذلك الحين طُلِبَ منه تغطية زيارة السادات لإسرائيل وردود الأفعال على هذه الزِّيارة، فقد خطط لزيارة سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل والضفة الغربية المحتلة، انتهاءً بمصر، ولكن يبدو أنَّ قرار اغتيال هولدن قد اتخذ بالفعل عند بدء جولته من سوريا.
يفيد هولدن بأنَّه كان من المقرر أنْ يصل إلى القاهرة على متن طائرةٍ قادمةٍ من الأردن مساء الثلاثاء 6 ديسمبر 1977م، ولكنِّي عندما حاولت الاتصال به في اليوم التالي للتشاور معه حول الموضوع الذي يمكن أنْ يكتبه لم أجد أحدًا يرد عليَّ، فأعطيت له فرصة لأتصل به مرةً أخرى، وكنت أعلم أنَّ عملية الاتصال بالشَّرق الأوسط صعبةٌ، ولكن يوم الخميس شعرت أنَّ هناك مشكلةٌ، فقررت أنا وزملائي البحث عنه في كل مكانٍ، وفي يوم الجمعة تمَّ التَّأكُّد من أنَّه غادر القدس ووصل القاهرة عن طريق طائرةٍ قادمةٍ من الأردن.
في وقتٍ متأخرٍ من يوم السبت 10 ديسمبر، وصلت رسالة إلى السفارة البريطانيَّة تفيد بأنَّ جثة رجلٍ أوروبيٍّ تمَّ العثور عليها، وهي موجودةٌ بمشرحة القصر العيني، وتوجه بوب جوبينز مراسل (بي. بي. سي) ليُفاجَئ بأنَّ القتيل هو ديفيد هولدن، كبير مراسلي صحيفة (الصَّنداي تايمز) في الشَّرق الأوسط، ولكنه لاحظ عدم وجود إصاباتٍ في جسد هولدن سوى جرحٍ صغيرٍ ولكنَّه نافذٌ في الصَّدر.
تمَّ العثور على جثة هولدن يوم الأربعاء 8 ديسمبر بعد تسع ساعاتٍ من وصوله القاهرة على الطريق السريع بالقرب من جامعة الأزهر، وقدماه قد تمَّ ربطهما بعضهما ببعض، وكذلك يداه، وكان من الواضح أنَّ أمرًا غريبًا حدث؛ حيث تم الاستيلاء على بطاقات الهوية الخاصَّة به، حتى علامة الصَّحافة التي كانت على الجاكت الخاص به.
هولدن تمَّ إطلاق النار عليه من مسافةٍ قريبةٍ؛ حيث اخترقت رصاصة عيار 9 مم صدره لتستقر عند قلبه، ومن الواضح أنَّ مقتل هولدن كان ما بين الساعة الثالثة صباحًا إلى الخامسة فجرًا، يعني بعد ثلاث ساعات تقريبًا من تحرُّكه من مطار القاهرة.
كانت الصدمة كبيرة لصحفيِّي (الصَّنداي تايمز)، فبعد الإعلان عن مقتله بساعاتٍ قرر 6 صحفيِّين التَّوجُّه للشَّرق الوسط لمعرفة الأماكن التي زارها هولدن قبل مقتله، والوصول إلى الجاني.
عدة أسئلة كان الصَّحفيِّين يبحثون عن إجابةٍ عنها، أهمُّها مَنْ الذي جاء مع هولدن على متن الطائرة "آر. جي- 503" القادمة من الأردن؟، هل تم رصد أحد الإرهابيِّين على متن الطائرة؟، هل كان هناك من ينتظره في المطار؟، كان كانت لديه مشاكلٌ في حياته الخاصَّة قد تكون هي السَّبب في قتله؟، هل هناك ما يشير إلى أنَّه مستهدفٌ من قبل العناصر الإرهابيَّة أو الفصائل الفلسطينيَّة؟، ما الذي لاحظه خلال جولته بالشَّرق الأوسط؟، وهل تلقَّى تحذيراتٍ بالقتل من أحد؟، هل طلب منه نقل رسالةٍ حسَّاسةٍ للغاية من أحد الأشخاص إلى شخصٍ مهمٍّ في القاهرة، ولا يمكن لهذه الرسالة أنْ تصل عبر الهاتف أو الفاكس؟.
الصحفيين تأكدوا من أنَّ هولدن في الأسبوع الذي زار فيه دول المنطقة التقى بالزُّعماء والدبلوماسيِّين العرب، ولكنه تسلم من الفلسطينيِّين بالضفة وثيقةً طُلِبَ منه تسليمها للرئيس السَّادات، تطالب السَّادات وتناشده بعدم التفاوض مع إسرائيل.
اتضح بعد ذلك أنَّ الصحفية الفرنسية كينايز مراد التي تعمل مع صحيفة (لو نوفول أوبسرفاتور)، والمتعاطفة مع منظمة التحرير الفلسطينية صاحبته في رحلته في سوريا والأردنن ونحن نعتقد أنَّها كانت تتتبعه وتنقل خططه إلى جهةٍ معينةٍ.
مراد بدت معجبة بشخصية هولدن، لقد ظلت معه في غرفته بالعاصمة الأردنيَّة عمَّان، حتى الواحدة صباحًا لتناول الشراب بعد تناولهم للعشاء معًا يوم الثالث ديسمبر، وفي الخامس من ديسمبر توجهت مراد وفي خطوةٍ غريبةٍ إلى سوريا في الوقت الذي سافر فيه الرئيس السوري وقتها (حافظ الأسد) والوفد المرافق له إلى ليبيا للمشاركة في القمة العربية الرافضة للخطوة التي قام بها السَّادات لعقد سلام مع إسرائيل.
تقارير الشرطة أكدت أنَّ هولدن لم يركب أيَّ تاكسي كان موجودًا بمطار القاهرة، مما يعني أنَّ هولدن ربما ركب سيارةَ أجرة شعبيَّة، ولكنها ستكون غير مريحةٍ له، ممَّا يدل على أنَّ هولدن ربما التقى بشخصٍ ما هو الذي أخذه من مطار القاهرة.
قرب منتصف ليلة الخميس 15 ديسمبر، تمَّ استدعاء جون باري وبيتر جيلمان إلى قسم شرطة الدُّقي، وهما من فريق إعداد التَّقارير في (الصَّنداي تايمز) بالقاهرة، والتقى بهما النبوي إسماعيل الذي شغل منصب وزير الدَّاخلية في مصر قبل مقتل هولدن بفترةٍ قصيرةٍ، وكان معه عددٌ كبيرٌ من القيادات الأمنيَّة الَّذين يُحقِّقون في مقتل هولدن، ويقفون بجوار سيارة (فيات 128)، والتي يُعتَقد أنَّ هولدن قُتِلَ فيها؛ حيث تم العثور بداخلها على حقيبته الحمراء وبها هديَّتَيْ عيد ميلاد لزوجته، بالإضافة إلى آلة كاتبة خاصة به عُثِرَ عليها في السيارة.
ووجدت بعضٌ من أوراق كتابه عن المملكة العربية السعودية كذلك، ولكنها وُجِدَت متفرقةٌ، ولوحظ أنَّ جواز سفره مفقودٌ، بالإضافة إلى فقدان كل الصور واللقطات التي التقطتها كاميرته خلال جولته في البلدان العربية.
إسماعيل ورفاقه يقولون إنَّ الدافع من قتل هولدن هو السرقة، ولكن كيف ذلك والمبالغ النقدية ما زالت بحوزة هولدن؟.. من الملاحظ أنَّ القتلة كانوا يبحثون عن شيءٍ معينٍ، ولا يريدون سوى هذا الشيء الذي يبحثون عنه.
هناك احتمالٌ كبيرٌ بأنَّ قتْل هولدن جاء بعد حديثه عن اكتشافه لفساد بمناصب عليا في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، ولكنه أكد للصَّحفية الفرنسيَّة التي التقى بها في الأردن بأنَّه لا ينوي الكشف عن هذه الأسرار في كتابه لذلك كان هناك اعتقادٌ بأنَّ أوراق الكتاب الذي أعده هولدن عن السعوديَّة، والذي تم العثور على بعض أوراقه لم يكن مكتملاً.
الشُّرطة المصريَّة تقول إنَّ هولدن ربما وافق على ركوب سيارة أجرة شعبية طواعيةً توفيرًا للمال، ولكن هذا الموضوع مستحيل، فهولدن كان في رحلةٍ شاقةٍ، ومن المستحيل أنْ يُخاطر بنفسه من أجل جنيهات.
فهل أُجْبِرَ هولدن على دخول سيارة الأجرة؟، هذا أمرٌ مستحيلٌ، لأنَّ المطار مكتظٌّ برجال الأمن ، فمن الممكن أنْ يكون أحد رجال الشُّرطة هو الذي دفع هولدن لركوب السَّيارة أو شخصٌ آخرٌ انتحل شخصيَّة رجلٍ يعرفه هولدن، ولكن السيناريو المتداول حاليًا هو أنَّ الاحتمال الأكبر أنَّ أحد الأشخاص انتحل شخصيَّة رجل ينتظره هولدن.
إذا كان هولدن قد اختطف في سيارة فيات بيضاء، فإنَّه من الواضح أنَّ السيارة التي عُثِرَ عليها ليست هي السَّيارة التي قُتِلَ فيها.
الشُّرطة عثرت على سيارةٍ على مسافة 80 ميلاً شمال القاهرة، ووُجِدَت رصاصة في الكرسي الخلفيِّ مطابقة للرَّصاصة التي أُطْلِقَت على هولدن، عيار 9 مليمترات، وُوجِدَت العديد من بقع الدم على المقاعد الأمامية للسيارة.
بعد نقل الجثة إلى لندن وتشريحها، تبيَّن أنَّ هولدن تمَّ ربط يدَيْه بقوةٍ، وحدثت معركةٌ بينه وبين خاطفيه أثناء نقله من سيارةٍ لأخرى.
بعد شهرٍ من وقوع الحادث اكتشفت الشُّرطة سيارةً فيات ثالثة لها علاقة بالحادث، وكان من الواضح بعد استجواب أصحاب السيارات الثلاث أنَّها قد تمَّت سرقتها جميعًا، فالأولى سُرِقَت في الأسبوع الثَّالث من أكتوبر بعد أنْ اتَّخذ هولدن قرارًا بزيارة القاهرة، أمَّا بقيَّة السيارات، فقد تمَّت سرقتها يوم 6 ديسمبر، عندما قرر هولدن الانتقال من القدس إلى القاهرة، ممَّا يدل على أنَّ عملية الاختطاف مُدبَّرةٌ ومُخطَّطٌ لها مسبقًا.
خلال عطلة أعياد الميلاد عام 1977م، قُتِلَ دبلوماسيٌّ مصريٌّ رفيع المستوى في لندن، وقيل إنَّ العملية قامت بها عناصرٌ متشددةٌ من حركة فتح رافضة لمبادرة السَّادات للسَّلام مع إسرائيل، وقتها أكَّدت هيلينا كوبان مراسلة صحيفة (الصَّنداي تايمز) في بيروت، والتي كانت لها علاقات عملٍ جيدةٍ مع زعيم حركة فتح ياسر عرفات، الذي وعد بفتح تحقيقٍ في الحادث.
الصَّحفيَّان باري وجيلمان الَّلذان تمَّ التحقيق معهما في القاهرة، تمَّت دعوتهما لزيارة بيروت، وهناك التقوا في مبنىً مهجورٍ قُصِفَ أثناء الحرب الأهليَّة في لبنان، برجلٍ في مُنتصف العمر، اتَّضح بعد أنَّه علي حسن سلامة مسئول الاستخبارات بحركة فتح، الذي اتُّهم من جانب إسرائيل بتدبير عمليات اختطاف أثناء أولمبياد ميونيخ عام 1972م.
باري نقل تأكيدات علي حسن سلامة بأنَّ فتح لا علاقة لها بقتل هولدن لا هي ولا أيًّا من فصائل المقاومة الفلسطينيَّة، لأنَّه ليس من سياسة المقاومة الفلسطينيَّة اغتيال الصَّحفيِّين خاصَّة وأنَّ صحيفة (الصَّنداي تايمز) تُعتَبَر صديقة للفلسطينيِّين لأنَّها نشرت تقريرًا يتحدَّث عن سوء معاملة السُّجناء الفلسطينيِّين.
هناك تطورٌ كبيرٌ يؤكد على أنَّ احتمال ضلوع فتح في قتل هولدن احتمالٌ بعيدٌ، وذلك بعدما أكَّد بول إيدي احد مراسلي (الصَّنداي تايمز) في الأسبوع الثاني من يناير 1978م، أنَّ هناك مستنداتٌ تمَّت سرقتها من مكتب هولدن، من بينها 8 فاكسات تتحدَّث عن تغيير هولدن لوجهة سفره وتنقلاته أثناء جولته في الدول العربيَّة. بداية من قرار سفره إلى القاهرة مرورًا بجولته في الأردن والقدس.
الغريب أنَّ وثائق تتعلَّق بالتَّحقيق وشهادات باري وجيلمان جرت سرقتها، ممَّا يؤكد أنَّ هناك من يتجسَّس من الموظَّفين داخل مكتب (الصَّنداي تايمز) بالقاهرة على الصَّحفيِّين.
في 24 يناير قرَّر إيدي إخفاء كافة الوثائق المتعلقة بالتحقيق داخل خزينةٍ محكمةٍ، ولكنَّه فوجئ بأنَّ المستندات التي اخفاها سرقت ما بين 26 إلى 27 يناير، أي أنَّ الِّلص استغرق 36 ساعةً فقط للوصول إلى المستندات المتعلقة بجريمة اغتيال هولدن وكل ما يتعلق بالتحقيقات.
من الواضح أنَّ سرقة بيانات في لندن والقاهرة لا يمكن أنْ تقوم بها جماعةٌ إرهابيَّةٌ عاديَّةٌ، وهناك احتمال بضلوع (إم. آي- 6)، المخابرات البريطانيَّة الخارجيَّة، في عملية اختطاف هولدن وقتله، أو احتمال ضلوع منظمةٍ دوليَّةٍ كبيرةٍ في الحادث، خاصَّة وأن تكلفة العملية ليست بمقدور جماعاتٍ إرهابيَّةٍ.
الشرطة المصريَّة حاولت إثبات أنَّ الحادث إرهابيٌّ، ولكن كيف وهذه العملية لا تشبه عمليَّات الاغتيال التي تقوم بها الجماعات الإرهابيَّة، كما أنَّه من المعروف أنَّ الجماعات الإرهابيَّة تعلن عن العمليَّات التي تقوم بها، وهو ما لم يحدث في حادث اغتيال هولدن، فلم تظهر أيَّة جماعةٍ إرهابيَّةٍ تعلن مسئوليتها عن قتل هولدن.
هناك العديد من المشتبه فيهم بتنفيذ العمليَّة، ولديهم قدراتٌ على تنفيذ مثل هذه العمليَّات بسهولةٍ، أولاً لا يمكننا استبعاد المصريِّين من المسئولية، فربما هم المسئولين عن اغتيال هولدن، وربما وكالات الاستخبارات الأجنبيَّة كمخابرات إسرائيل أو الولايات المتحدة أو روسيا، وربما بريطانيا أو السعوديَّة، ومع ذلك فليس علينا أنْ نبحث عن قاتل هولدن، وإنما علينا أنْ نبحث كذلك عن علاقات القتيل.
هولدن هو ابن رئيس تحرير صحيفة (سندرلاند)، وتلقَّى تعليمه بمدارس كويكر وكلية إيمانويل، وعمل لمدة 3 سنوات كمدرسٍ للجغرافيا، ثم عمل مراسلاً لصحيفة (التَّايمز) ومن قبلها (الجارديان).
هناك حدثٌ مهمٌّ في حياة هولدن، فقد كان صديقًا لرجلٍ مسنٍّ ألمانيٍّ يدعى ليو سيلبرمان، كان متحمسًا للشُّيوعيَّة، وكان معاديًا للولايات المتحدة، ثم أصبح فجأة مؤيدًا للولايات المتحدة ومساندًا لإقامة دولةٍ إسرائيليَّةٍ، وقاد حملة ضد منتقدي الصُّهيونيَّة، وتعتقد الاستخبارات الأمريكيَّة أنَّه عميلٌ للمخابرات البريطانيَّة.
سيلبرمان كان قويًّا، وأكثر إثارةٍ من هولدن، ولكنهما كانا من العشَّاق الشَّواذ وفقًا لما أكَّده فريدي أخو سيلبرمان، وبعد وفاة سيلبرمان تزوج هولدن عام 1960م من روث لينام المصورة الصحفية بمجلة (الحياة).
فوجئنا بأنَّ هولدن من المخنَّثين، ومع ذلك حاولنا التَّعرُّف على ما وراء هذه العلاقة، فسألنا مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي والاستخبارات المركزيَّة الأمريكيَّة الَّلتان تعمَّدتا المماطلة في الكشف عن أيَّة معلوماتٍ، لذلك قمنا برفع دعوى قضائيَّةٍ ضد الوكالة والمكتب للإفراج عن المعلومات بموجب قانون حُرِّيَّة المعلومات.
كان علينا أنْ نصل إلى المعلومات من مصادرٍ غير رسميَّةٍ، وعلمنا أنَّ هولدن التقى بعد أسابيعٍ من وصوله كمراسل لصحيفة (التَّايمز) إلى واشنطن عام 1954م بأحد العملاء السُّوفييت المعروفين، ولكن مكتب التحقيقات الفيدرالي رفض الكشف عن مزيدٍ من المعلومات، مؤكِّدًا على أنَّها تتعلَّق بالأمن القوميِّ، كما أنَّ الاستخبارات الأمريكيَّة تعاملت معنا بشكلٍ أقل ممَّا كان متوقَّعًا.
16 شهرًا مضت منذ أنْ رفعنا الدَّعوى القضائيَّة للحصول على معلوماتٍ بشأن هولدن وسيلبرمان  من الـ(إف. بي. آي)، والـ(سي. آي. إيه)، ولكن لم ينتج عن ذلك أيِّ ردٍّ، وفي النِّهاية أكدت وكالة الاستخبارات المركزيَّة الأمريكيَّة أنَّه ليس لديها ملفٌّ عن هولدن، وليس لديها أيَّة معلوماتٍ عن مقتله، ولكن سيلبرمان كان عميلاً أمريكيًّا بريطانيًّا في ذات الوقت.
حاولنا بعد ذلك الطَّلب من محكمةٍ أمريكيَّةٍ بأنْ تقوم بالضَّغط على الاستخبارات الأمريكيَّة، ومكتب التَّحقيقات الفيدراليِّ للكشف عن معلوماتٍ مُتعلِّقةٍ بهولدن في جلسةٍ سرِّيَّةٍ، ولكن المحكمة قالت إنَّ القضيَّة تتعلَّق بالأمن القوميِّ الأمريكيِّ ولا يُمكن الكشف عنها.
من هنا توقَّعنا أنَّ مقتل هولدن ربما يكون بسبب علاقته بأكثر من جهاز مخابراتٍ، كلُّ جهازٍ له أولويَّاتٌ مُعيَّنةٌ، ومقتله كان رسالةً من جهاز استخباراتٍ إلى جهازٍ آخرٍ بأنَّ القتل هو ثمن الخيانة لذلك فضَّلوا ترك جثَّتِه من دون إخفائها.
الآن علينا أنْ نحاول معرفة مَنْ الجهة الاستخباريَّة الأولى التي جنَّدته، والجهة الثَّانية التي جنَّدته  ليصبح عميلاً مزدوجًا، وهو ما دفع الجهة الأولى لاغتياله، معتبرةً أنَّ عمله لجهةٍ أخرى جعلته خائنًا.
هناك ثلاث وكالات لها مصالحٌ مع هولدن، إمَّا وكالة الاستخبارات الأمريكيَّة أو الموساد الإسرائيلي، أو المخابرات السوفيتيَّة السابقة (كي. جي. بي).
من الواضح أنَّ الجهة الأولى التي جنَّدته هي المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة، وهي التي قاومت بقوَّةٍ الكشف عن أيَّةِ معلوماتٍ عنه.
ولذلك فهناك احتمالٌ بتورُّط المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة والموساد في قتل هولدن بمساعدة مِنْ المصريين الذين اعتبروا أنَّ جولة هولدن بالدِّول العربيَّة ستُشكِّل خطرًا على توقيع اتِّفاقيَّة السَّلام، خاصَّة وأنَّ هناك احتمالٌ بأنَّ هولدن كان عميلاً للمخابرات السُّوفيتيَّة التي تنافس المخابرات الأمريكيَّة، وهو ما يعني أنَّ هولدن قُتِلَ كي لا يقوم بتسريب معلوماتٍ مُتعلِّقةٍ بقضيَّة السَّلام بين مصر وإسرائيل إلى الاتحاد السُّوفيتي.
وأقوى دليلٌ على هذا الرأي الرسالة التي حملها هولدن من أهل الضفة الغربيَّة إلى السَّادات، وهي الرسالة التي لم يتمكَّن من توصيلها، وكانت تتحدث عن طلب أهل الضفة من السَّادات وقف التعاون مع الإسرائيليِّين.
...

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح