إبراهيم حسُّونة(*) يكتب: لا تظلـــموا وزير النَّـــقل!!...

"السِّكَّة الحديد صُداعٌ في رأسي.. يعني كل يوم مفاجأت.. قطارٌ يقتحم رصيف محطَّةٍ، أو جرَّارٌ يمشي دون سائقٍ، ناهيك عن التَّأخير في المواعيد".. بهذه العبارات استهلَّ المهندس محمد منصور وزير النَّقل- المُستقيل- حديثه أمام أعضاء الغرفة الأمريكيَّة قبل أيَّامٍ قليلةٍ من حادث قطارَيْ "العياط"، الذي راح ضحيَّتُه  18 قتيلاً و36 مصابًا.. وكأنَّ الوزير كان "قلبه حاسس زي الأم الِّلي بتحس بضناها"!!
وقال منصور: كل ما يحدث في السِّكَّة الحديد حاليًا هو نتيجة إهمالها لوقتٍ طويلٍ في الماضي"!!
وإذا كانت مصر تحتلُّ المرتبة الأولى عالميًّا في حوادث الطُّرق، فإنَّها تحتلُّ نفس المرتبة في حوادث القطارات، بل إنَّ تقرير الاتِّحاد الدَّوليِّ للسِّكَكِ الحديديَّة العالميِّ يُشير إلى أنَّ عددَ ضحايا كوارث السِّكَّة الحديد في مصر يُساوي أربعة أمثالها في المُتوسِّط العالميِّ، كما أنَّ تقريرَ الجهاز المركزيَّ للتَّعبئة العامَّة والإحصاء يؤكِّد أنَّ السِّكَّة الحديد في مصر شهدت خلال السَّنوات السِّت الأخيرة نحو 59 حادثًا، راح ضحيَّتُها أكثر من ستَّةِ آلاف راكبٍ بخلاف المصابين.
ورغم أنَّ تقرير الاتِّحاد الدَّوليَّ للسِّكَكِ الحديديَّة، أكَّد أنَّ سككَ حديدِ مصر، لا تزال تستخدم أدواتٍ ومُعدَّاتٍ تعود إلى النِّصف الأوَّل من القرن الماضي، ولا تتوافق مع المواصفات الفنِّيَّة الحديثة، إلا أنَّ المسئولين بهيئة السِّكَكِ الحديديَّة قاموا بشراء قطع غيارٍ غير أصليَّةٍ للقطارات تعود إلى العام 1932م، بأسعارٍ أعلى من القطع الأصليَّة.
ورغم أنَّ مجلس الشَّعب ناقَش في شهر أبريل الماضي ستَّة استجواباتٍ و138 طلب إحاطةٍ وستَّة أسئلةٍ وخمسة طلبات مناقشةٍ مُوجَّهةٌ للدُّكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء وحبيب العادلي وزير الدَّاخليَّة والمهندس محمد منصور وزير النَّقل [المُقال أو المُستقيل] عن تدهور مِرْفَق السِّكَكِ الحديديَّة وحوادث القطارات، إلا أنَّ الحوادث لم تتوقَّف، وحالة القطارات لم تتحسَّن، بل تزداد سوءًا يومًا بعد يومٍ.
ويكاد لا يمرَّ يومٌ واحدٌ إلا ونسمع عن تعطُّل العديد من القطارات لساعاتٍ طويلةٍ.. يكاد لا يمرَّ أسبوعٌ إلا ونفاجأ بحادث قطارٍ أو أكثر يؤدِّي إلى حصد أرواح الكثير من الأبرياء.
بالفعل الظَّاهرة أصبحت خطيرة؛ بل ومرعبةٌ لدرجة جعلت المواطن لا يشعر بالأمن والأمان الذي كان يشعر به من قبل أثناء سفره بالقطار.
المهندس منصور- صاحب توكيل "شيفرولية"- أكَّد أمام مجلس الشَّعب في أبريل الماضي أنَّ المواطن سيشعر بتحسُّنٍ في الخدمة بدايةً من الرُّبع الأوَّل من العام 2009م.. وقتها تمنَّيْت أنْْ يترك معالي الوزير مكتبه مرةً واحدةً، ويستقلُّ أحد قطارات الوجه القبلي "الفاخرة"، حتي يُشاهد على الطَّبيعة أنَّ تلك القطارات ليست فاخرة، بل رديئة وسيئة؛ حتى يُشاهد معاليه على الطَّبيعة ما يُعاني منه الرُّكَّاب يوميًّا من تأخير القطارات لساعاتٍ طويلةٍ وسوء حالتها بدرجةٍ عاليةٍ، جعلت الحشرات والفئران تُطارد الرُّكَّاب داخل عربات القطار!!
*.*.*
سمعتُ وقرأتُ العديد من التَّصريحات التي أدلى بها المُهندِّس محمد منصور وزير النَّقل فيما يخصُّ السِّكَّة الحديد، وفي كلِّ مرَّةٍ كان يؤكِّد على عدم زيادة أسعار تذاكر القطارات، ويُشير إلى أنَّ الأسعار تتناسب مع محدودي الدخل.. في الحقيقة لا أعرف أين الأسعار التي تتناسب مع محدودي الدَّخل؟!!!.. تذاكر قطارات الدَّرجة الأولى يا سيادة الوزير "السَّابق" اقتربت أسعارها من أسعار تذاكر الطَّائرات الدَّاخليَّة (!!)، بينما زادت أسعار تذاكر قطارات النَّوْم عن أسعار تذاكر الطَّائرات الدَّاخليَّة، رغم سوء حالة قطارات الدَّرجة الأولى والنَّوْم.
وأتمنى أنْ يسأل معالي الوزير عن سعر تذكرة قطار النَّوْم من القاهرة حتى أسوان، وسعر تذكرة الطَّائرة من القاهرة إلى أسوان أيضًا، وهنا سيعلم أنَّ أسعار تذاكر الطَّائرة أرخص بكثيرٍ من القطار، وربما تكون الزِّيادة في أسعار تذاكر القطارات عن الطَّائرات ترجع إلى وجود وسائل ترفيه داخل كل قطارٍ، مُتمثلةً في الحشرات والفئران التي لا يخلو أي قطارٍ منها!!
أعتقد أنَّنا سمعنا من قبل عن عشرات الخُطَط التي وضعتها الحكومة لتطوير هيئة السِّكَك الحديديَّة، ورغم إنفاق مليارات الجُنيهات على عمليَّات التَّطوير والتَّحديث التي قالوا عنها، إلا أنَّ الأوضاع داخل تلك الهيئة لا تسرَّ عدوًّا ولا حبيبًا!!؛ فحوادث القطارات مستمرةٌ، والخدمة وصلت إلى مرحلةٍ مُتدنِّيةٍ داخل القطارات، والمواعيد حدِّث ولا حرج، فإذا كنت تريد أن تقضي مأموريَّةً ما في محافظةٍ ما، خاصة بالصَّعيد فعليك أنْ تسافر قبلها بيومَيْن أو ثلاثة حتى تتمكن من ذلك!!
ونظراً لشهرة مصر العالميَّة في حوادث القطارات، فقد أعدَّ معهد السِّكَّة الحديد الألمانيُّ دراسةً في العام الماضي، أكد فيها أنَّ مُعدَّل حوادث المزلقانات في السِّكَّة الحديد المصريَّة مرتفعٌ جدًّا مقارنةً بنظيراتها في أوروبا وآسيا، وأوضحت الدِّراسة التي أُجْرِيَت على 8 دولٍ أنَّ مصر تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الحوادث والقتلى، وذكرت أنَّ مزلقانات السِّكَك الحديديَّة تأتي في مُقدِّمة أسباب ارتفاع مُعدَّلات حوادث القطارات.
ونهايةً، يُمكن القول إنَّ العُذر الوحيد للمُهندس محمد منصور فيما وصلت إليه الحالة المتردية لمرفق السِّكَكِ الحديديَّة وتكرار حوادث القطارات في الوجه القبلي بصفةٍ خاصَّةٍ يرجع إلى أنَّ سيادته لا يعلم أنَّ خط السِّكَك الحديديَّة بالوجه القبلي يتبع وزارة النَّقل، وأنَّ مُحافظات الوجه القبلي من الجيزة وحتى أسوان تتبع جمهوريَّة مصر العربيَّة وليست ضمن جمهوريَّة بوركينا فاسو الأفريقيَّة.. أعتقد أنَّ هذا عذرٌ مقبولٌ لمعالي الوزير؛ لأنَّ سيادته، وكما نعلم جميعًا، عاش معظم حياته خارج مصر، علاوةً على أنَّه لم يستقلَّ القطارات من قبل.. فلا تظلموا معالي الوزير.. سابقًا...!!
القاهرة في 28 أكتوبر 2009م
------------------------
(*) صحفي ومحلل اقتصادي مصري

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح