إبراهيم حسُّونة(*) يكتب: الدُّروس الخصوصيَّة.. أكبرُ إهدارٍ ماليٍّ في مصر!!...

مصائِبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ.. هذه المقولة تنطبق حاليًا على "سويقة" التَّعليم في مصر- إنْ جاز التَّعبير- ، خاصَّة مع حالة الذُّعر التي تسود بين أولياء أمور طُلاب مصر، خشية تفشِّي وباء أنفلونزا الخنازير بسبب الزِّحام في المدارس والجامعات، والذي دفعهم هذا الخوف إلى التَّوجُّه رغمًا عن أنوفهم إلى المُدرِّسين الخصوصيِّين لمُتابعة أبنائهم، وشرح ما فاتهم من المناهج ممَّا يصبُّ في صالح المُدرِّسين، ويُحمِّل أولياء الأمور أعباءً إضافيَّةً نتيجة استغلال الظُّروف.
الدُّروس الخصوصيَّة ظاهرةٌ سلبيَّةٌ بكلِّ المقاييس، ومُؤشِّرٌ خطيرٌ على فساد العمليَّة التَّعليميَّة كمنظومةٍ، واستمرارها رغم مخالفتها الصَّارخة للقوانين، ورغم وعودِ وتَعهُّداتِ وتهديداتِ وزراء التَّربية والتَّعليم ووزراء التَّعليم العالي المُتعاقبين بالقضاء عليها، والتَّنكيل بالمُتورِّطين فيها، يعني أنَّ هناك "فراغًا" مُخيفًا في نظامنا التَّعليميِّ الرَّسميِّ تسدُّه هذه الدُّروس الخصوصيَّة، وأنَّ هناك خللاً بُنيويًّا في هذا النِّظام الرَّسميِّ لا "يتوازن".
الدُّروس الخصوصيَّة تُخرِّب العمليَّة التَّعليميَّة، ليس هذا فحسب، بل إنَّ هُناك خسارةٌ أخرى تتمثَّل في حساب تكلفة الدُّروس الخصوصيَّة، قام بحسابها وتقديرها المهندس عزمي مصطفى علي رئيس المكتب الفنِّي للصُّندوق الاجتماعيِّ للتَّنمية.
وهذا الحساب الذي قام به المهندس عزمي بالغ الإثارة، ويستحق أنْ نتوقف أمامه:
أولاً: وفقًا لهذا التَّقدير تتمثَّل التَّكلُفة النِّسبيَّة للدُّروس الخصوصيَّة في مصر، والتي أصبحت مع الأسف الشَّديد نظامًا بديلاً للتَّعليم الرَّسميِّ من المرحلة الابتدائيَّة وحتى نهاية المرحلة الجامعيَّة، في ثلاثة أنواعٍ من الخسائر، وهي:
1.    التَّكلُفة الأولى ماديَّة.
2.    التَّكلُفة الثَّانية تكلُفة جهدٍ ووقتٍ ضائعٍ.
3.    التَّكلُفة الثَّالثة- وهي الأخطر- تساوي خسارة مُستقبل.
ثانيًا: فروض حسابات التَّكلُفة:
1.    بناءً على تحليلٍ دقيقٍ كمِّيٍّ لمنظومة التَّعليم وأعداد المنتسبين إليها من طُلابٍ في التَّعليم الابتدائيِّ والإعداديِّ والثَّانويِّ العام والتَّعليم الفنيِّ والأزهريِّ والجامعيِّ، شاملاً المعاهد العُليا والمتوسطة، نجد أنَّ اجمالي المنتسبين لمنظومة التَّعليم 20 مليون طالبٍ، توزيعهم كالآتي:
17 مليون في التَّعليم الأساسيِّ.
مليون ونصف المليون في التَّعليم الأزهريِّ.
مليون ونصف المليون في التَّعليم الجامعيِّ والعاليِّ.
2.    إذا افترضنا أنَّ 50% فقط من العشرين مليون تلميذٍ وطالبٍ "يتعاطون" الدُّروس الخصوصيَّة، فإنَّنا نكون إزاء 10 ملايين تلميذٍ وطالبٍ تشملهم هذه الظَّاهرة الموازية.
3.    يتراوح متوسط تكلفة التِّلميذ أو الطَّالب الذي يتعاطي الدروس الخصوصية ما بين 500 جنيه في السَّنة الدِّراسية على أقلِّ تقديرٍ، وألفَيْ جنيهٍ في السَّنة الدِّراسيَّة في الأغلب والأعم، وصولاً إلى ستَّة آلاف جنيهٍ في السَّنة الدِّراسيَّة في حالاتٍ ليست قليلة مثل الثَّانوية العامَّة.
والمُتوسِّط المُرجَّح لهذه التَّكلُفة هو ثلاثة آلاف جنيهٍ في السَّنة، أي حوالي 350 جنيهًا في الشَّهر الدِّراسيِّ.
ثالثًا: حساب التكلفة المادِّيَّة:
اذا كان هناك 10 ملايين يتعاملون مع الدُّروس الخصوصيَّة، ويدفع كل منهم ثلاثة آلاف جنيهٍ في السَّنة الدِّراسيَّة في المُتوسِّط، فإنَّ التَّكلُفة تساوي 30 مليار جنيه في السَّنة الدِّراسيَّة.
رابعًا: حساب الجهد والوقت الضَّائع:
المقصود بالوقت الضَّائع أنَّ منظومة التَّعليم الرَّسميِّ يوازيها تعليمٌ بالدُّروس الخصوصيَّة أشدُّ انتظامًا. وبالتَّالي إمَّا أنَّ الوقت المُستَهْلَك في التَّعليم الرَّسميِّ وقتٌ مُهدرٌ، أو أنَّ وقت الدُّروس الخصوصيَّة هو المُهدر، وهو ما يُقدِّره المهندس عزمي على النَّحو التَّالي مقارنا إياه بالجهد الذي استُهْلِكَ في بناء السَّد العالي:
1.    تم بناء السَّد العاليِّ بتكلفة 480 مليون جنيهٍ بأسعار ستِّينيَّات القرن الماضي، واستمر بناؤه 50 شهرًا، وشارك في هذا العمل 10 آلاف عاملٍ، يعملون 3 ورديَّاتٍ يوميًّا.
وبذلك تكون قوَّة العمل المُستَهْلَك في بناء السَّد العالي:
    10000 عامل × 50 شهرًا × 30 يومًا × 24 ساعة = 360 مليون ساعة عمل
2.    في المُقابل فإنَّ قُوَّة العمل المُستهلَكة في الدُّروس الخصوصيَّة تساوي 10 ملايين طالب مضروبة  في خمس ساعاتٍ دروس خصوصيَّة في الأسبوع على الأقل، مضروبةٌ بدورها في 25 أسبوعًا، متوسط عدد الأسابيع التي يتقلى فيها الطالب دروسًا خصوصيةً في العام علي الأقل، فيخرج لنا رقمٌ يساوي 3 أضعاف قوة العمل لبناء السَّد العالي!!
علماً بأنَّ هذا الحساب السابق لا يشمل وقت وجهد نصف مليون مُدرِّسٍ يعملون في الدُّروس الخصوصيَّة في مصر.
خامسًا: حساب خسائر المستقبل:
وهي أهم خسائر على الإطلاق؛ حيث تساوي جيلٌ فاقدُ الاعتماد على النفس في معظمه. فإلى متى تستمر هذه الخسائر.. وهل يمكن أنْ يتحمَّل المجتمع تكلفتها أكثر من ذلك؟!.. نريد إجابة كل من يعنيه الأمر!!
-----------------------------------------------
(*) صحفي ومحلل اقتصادي مصري

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح