إبراهيم حسُّونة(*) يكتب: الفقر المائي.. وحرب زراعة الأُرز في مصر!...



تَسْعَى الدَّولة لتقليل المساحات المزروعة من الأرز بسبب الكمِّيَّات الكبيرة من المياه التي يستهلكها لزراعته مقارنةً بالمحاصيل الأخرى، خاصَّة وأنَّ مصر علي مشارف الدُّخول في مرحلة فقرٍ مائيٍّ، إنْ لم تكُن قد دخلتها بالفعل، فحصتها من المياه لم تتغيَّر منذ توقيع اتفاقيَّة مياه النِّيل مع السُّودان عام 1959م، وتبلغ 55 مليار مترٍ مُكعَّبٍ وقت أنْ عدد سُكَّان مصر 25 مليون نسمة.
وبما أنَّ محصول الأرُز يستهلك نسبةً كبيرةً من المياه فقد تمَّ الاتِّفاق بين وزارتَيْ الزِّراعة والموارد المائيَّة علي تخفيض المساحة المزروعة من 2 مليون فدان إلى 1.2 مليون فدان لتوفير المياه، علمًا بأنَّ فدَّان الأرز يستهلك سبعة آلاف مترٍ مُكعَّبٍ من المياه في العام، وأنَّ ريَّ فدَّان أُرزٍ واحدٍ يكفي لزراعة 5 أفدنة من الذُّرة.
ووفقُا لما أعلنه المهندس رشيد محمد رشيد وزير التِّجارة والصِّناعة، فهناك سياسةٌ زراعيَّةٌ واضحةٌ أقرَّها مجلس الوزراء فيما يتعلق بالأُرز بناءً على دراسات وتقارير وزارة الموارد المائيَّة تستهدف تخفيض زراعات الأُرز لتوفير المياه، وبناءً على ذلك وضعت وزارة التِّجارة والصِّناعة هدفًا تصديريًّا من الأرز لا يتجاوز 400 ألف طنٍّ سنويًّا.
وجاءت ردود الأفعال مُتباينةٌ من جانب خُبراء الزِّراعة والرَّيِّ والمُصدِّرين، ففي الوقت الذي أبدى فيه خُبراء الزِّراعة ترحيبهم بالقرار شريطة الاهتمام بالمحصول للوصول إلى أعلى إنتاجيةٍ، إلى جانب الاهتمام بحقوق المُزارِع المُهدَرَة في هذه المنظومة من خلال قيام الحكومة بدعمه عن طريق تقديم أسعار توريدٍ عادلةٍ وعدم مُجاملة المُصدِّرين والتُّجَّار، والَّذين تمكَّنوا من تحقيق مكاسبٍ كبيرةٍ على حساب الفلاح، خاصَّة بعد قرار ربط التَّصدير بالتَّوريد لبطاقات التَّموين.
خبراء الرَّيِّ أكَّدوا على ضرورة أنْ تكون إستراتيجيَّة الحكومة خلال الفترة القادمة هي البحث عن المجال الذي يُمكن من خلاله تحقيق أعلى استفادةٍ من المتر المُكعَّب من المياه في جميع الأنشطة، سواءً زراعة أو صناعة أو سياحة، باعتبار أنَّ مصر تمتلك كمِّيَّةً قليلةً من المياه عليها تحقيق أعلى عائدٍ منها.
وعلي الجانب الآخر أكَّد المُصدِّرون تضامنهم مع القرار ما دامت فيه مصلحةٌ عامَّةٌ، مُؤكِّدين أنَّ فرض "كوتة" على تصدير الأُرز لن يضر سوى عددٍ محدودٍ من المُصدِّرين، ولكن مصلحة ملايين المواطنين تقتضي عدم مُعارضة القرار.
الحقيقة أنَّ قرار ربط التَّصدير بالتَّوريد لبطاقات التَّموين قد أدَّى إلى حدوث سلبيَّاتٍ عديدةٍ لقطاع زراعة الأُرز، أهمها: أولاً: شدَّة المنافسة على التَّوريد ودُخول فئاتٍ كثيرةٍ ليست من أهل المهنة، الأمر الذي أدى إلى تدنِّي الأسعار، وبالتَّالي توريد أسوأ أنواع الأُرز.
ثانيًا: انعكاس القرار على الأُرز الشَّعير عند المُزارِع المُنْتِج؛ حيث انخفض سعر الأرز الشَّعير نتيجة التَّوريد إلى بطاقات التَّموين؛ حيث حقق المٌزارِع خسائر كبيرة انعكست بصورةٍ سريعةٍ على محصولِ العام الحاليِّ نتيجة إهمال المُزارِع لمحصول الأرز، فلم يلقَ المحصول المعاملة الزِّراعيَّة المُثلى، وبالتَّالي ُمتوقَّعٌ انخفاض الإنتاجيَّة هذا العام.
ثالثًا: السَّلبيات التي تضمنها قرار 105 لسنة 2009م، الذي أجاز التَّنازُل للآخرين عن أذونِ التَّصدير، الأمر الذي أدَّى إلى انتشار تجارة الأُذون الورقيَّة في السُّوق السَّوداء، بموافقة المُشرف على قطاع التِّجارة الخارجيَّة.
تنفيذ قرار رشيد سوف يُواجه صعوباتٍ كثيرةٍ، خاصَّة مع فشل الحكومة في تنفيذ قانون زراعة الأُرز السَّابق، رغم فرض غرامةٍ كبيرةٍ على المُزارعين المخالفين أكثر من ألف جنيهٍ للفدَّان الواحد، إلا أنَّ معظم الفلاحين مُصِرُّون على الزِّراعة ممَّا اضطَّر بعض المُحافظين إلى التَّدخُّل وتدمير بعض مشاتل الأُرز بالقوَّة.
كل هذا يشير إلى أنَّ العشوائيَّة هي السِّمة الرَّئيسيَّة المُسيطرة على هذه المنظومة؛ حيث لا يُمْكِنُنَا إلقاء الَّلوم على المُزارِع لإصراره على زراعة محصول الأُرز لعدم توافُر البديل المُجزي، فالقُطْن يواجه مشاكل عديدة، وأسعاره مُتدنِّية، والذُّرة محصولٌ لا يُدرُّ عائدًا، فضلاً عن أنَّ الأُرز ليس الجهة الوحيدة التي يتم فيها هدر المياه، فـ5.2 مليار مترٍ مُكعَّب لا تُمثل مشكلةً مُقارنةً بالهدر الذي يتم في القرى السِّياحيَّة والرِّيفيَّة، ولكن الحكومة دائمًا تفرض سيطرتها على الجانب الأضعف، وهو هنا الفلاح.
قرار تخفيض المساحات المزروعة من الأُرز من الممكن أنْ يكون مناسبًا، ولكن بشرط تغيير آليَّة العمل الحالية، والتي تُحوِّل جهود الفلاح لصالح مجموعةٍ من المُصدِّرين؛ حيث يُباع الطُّن في الخارج بخمسة آلاف جنيه، بينما يتم تسويقه محليًّا بـ1500 جنيهٍ، والفارق، وهو 3500 جنيهٍ، يتم دفع ألفَيْ جنيهٍ منه كرسم صادرٍ، بينما المكسب المُحقَّق 1500 جنيهٍ في الطُّن.
وكل القرارت التي تمَّ اتِّخاذها مُؤخَّرًا تُحيل كل المكاسب للمُصدِّرين على حساب الفلاحين في نهاية الأمر.. والمتضرر الوحيد هو المُزارِع!!
-----------------------------------------------
(*) صحفي ومحلل اقتصادي مصري
القاهرة في 29 سبتمبر 2009م

0 تعليقات:


تقرأون في العدد الجديد



تركيا.. بين الحنين للأصل والتَّوجُّه غربًا!!...


كانت منطقة الشَّرق الأوسط خلال الفترة القليلة الماضية على موعدٍ مع ظهور لاعبٍ جديدٍ في الُّلعبة السِّياسيَّة الإقليميَّة..


تحالفاتٌ مصريَّةٌ جديدةٌ.. "مايحكومشِ"!!...

ولا نَزَالُ مع قضيَّة السَّاعة على السَّاحة السِّياسيَّة المصريَّة، وهي قضيَّة التَّحالُفات الوطنيَّة في مصر






صناعة الدَّواء في مصر.. صناعةٌ إستراتيجيَّةٌ في قبضة الاحتكارات!!...






تركيا.. الحنين إلى الشَّرق والتَّطلُّع إلى الغرب..
ملف خاص عن تركيا ...






الإخوان المسلمين.. انشقاقاتٌ.. ولكن هل من تأثيراتٍ؟!...
أنشطة المُخابرات الإسرائيليَّة والغربيَّة في السُّودان
رؤيةٌ أمريكيَّةٌ مُغايرةٌ حول المشهد المصري



الوجود العسكريُّ الأمريكيُّ في العالم العربيِّ ومخاطره





جمهوريَّات الموز".. من أمريكا الوسطى إلى الشَّرق الأوسط!!...





القرار ١٨٩١ (٢٠٠٩) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩ بشأن السُّودان...





الصحافة العالمية في الأسبوع

لا عجب في كَوْن حماس ليست خائفةً!!



صورة العدد 8



فريق العمل

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التَّحرير

عبد الجليل الشَّرنوبي

مدير التَّحرير

أحمد التلاوي

المشرف العام

علاء عيَّاد

فريق التَّحرير (بحسب التَّرتيب الأبجدي)

أحمد عبد الفتَّاح

إيمان إسماعيل

الزَّهراء عامر

سامر إسماعيل

شيماء جلال

عبد العظيم الأنصاري

كارم الغرابلي

مراجعة لغويَّة

أحمد محمود

تنفيذ وإخراج

أحمد أبو النَّجا

تصوير

محمد أبو زيد

باحثون ومشاركون من الخارج

مُحمَّد الشَّامي

الموقع الإلكتروني

أحمد عبد الفتاح


لافضل تصفح