هِدَتْ الفترة الماضية تَجدُّد الجدل والصِّراع حول موقع مشروع المحطَّة النَّووية المصريَّة بالضَّبعة بساحل مرسى مطروح، وكان التراشق حادًّا بين طرفَيْن، الأوَّل يرى أنَّ المشروعات السِّياحيَّة أولى بهذه المنطقة السِّياحيَّة الواعدة، وأنَّ ذلك يُحقِّق مصلحة الاقتصاد القوميِّ، بينما يَرُدُّ الطَّرف الآخر بأنَّه لا خوفٌ من إقامة هذه المحطَّة وسط المشروعات السِّياحيَّة، وأنَّ هذه المحطَّة تُحقِّق للبلد مصلحةَ الاقتصاد والأمن القوميِّ في وقتٍ واحدٍ.
من الطَّبيعي أنْ يكون خبراء الطَّاقة الذَّريَّة هم الأكثر انحيازًا لإقامة المحطَّة النَّوويَّة في موقعها المختار في الضَّبعة، إنَّه حُلْمَهم الذي عاشوا عليه، ومات بعضهم دون أنْ يراه، ويخاف آخرون أنْ يرحلوا من دون أنْ يتحقَّق الحُلم الذي تخلَّى عنه البعض، وفضَّل الهجرة إلي الخارج ليأسه من أنْ يرى النُّور، وكأنَّه النِّداء الأخير للِّحاق بالقطار النَّوويِّ.
ودعَوا إلى حسم هذا الجدل بقرارٍ مُحدَّدٍ وفق ما حدث في إنشاء مفاعل إنشاص، وأكَّدوا صلاحية الموقع لإنشاء المحطَّة النَّوويَّة مشيرين إلى أنَّ الموقع البديل يعني تكلفةً أكثر، وإهدارًا لوقتٍ ضائعٍ منذ زمنٍ، وأكدوا أنَّ السِّياحة أمامها آلاف البدائل والمواقع مقابل بديلٍ وحيدٍ للمشروع النَّووي، وهو موقع الضَّبعة.. هكذا كان دفاعهم عن حلمهم!
أمَّا خُبراء السِّياحة فيرون أنَّ العائد من إقامة المشروعات السِّياحيَّة في المنطقة المُخصَّصة للمحطَّة النَّوويَّة بالضَّبعة أفضل للبلد وللمنطقة نفسها، ويدعون إلى أنْ يتم الاحتكام في تحديد مصير المنطقة إلى دراسةٍ يُعدُّها مكتبٌ استشاريٌّ عالميٌّ من كلِّ الجوانب.. وهكذا كان منطقهم!
التَّساؤلات التي تدور في حلبة هذا الصِّراع: كم ستُوظِّف هذه المشروعات من العمالة؟، وكم سيعود منها للدَّخل القوميِّ من عملاتٍ صعبةٍ وأجنبيَّةٍ؟، ومن المستفيد من هذه المشروعات؛ هل الاقتصاد أم عددٍ من الأفراد وأصحاب المصلحة؟!
أما إذا قلنا إنَّ الأفيد هو إقامة المحطَّة النَّوويَّة، وقمنا بتقييمها، فسنجد أولاً أنَّ المحطَّة ستعطي القوى المُحرِّكة التي تستطيع أنْ تُحقِّق التَّوسُّع العمرانيِّ المُؤهَّل لإقامة تجمُّعاتٍ سكنيَّةٍ ومشروعاتٍ سياحيَّةٍ وغير سياحيَّةٍ بالمنطقة من خلال توفير الطَّاقة الَّلازمة لهذه المشروعات.
وثانيًا.. نستطيع بهذه القوى المُحرِّكة، ومنها الكهرباء، أنْ نقوم باستصلاح ملايين من الأفدنة غير المُستصلَحة، وإضافتها كأراضٍ جديدةٍ للرُّقعة الزِّراعيَّة في مصر، وبالتَّالي سيكون لدينا وفرةٌ في الأمن الغذائيِّ، وتوفير فُرَصِ العمل للشَّباب
وثالثاً.. أنَّ هذه القوى المُحرِّكة ستخدم العديد من المناطق الصِّناعيَّة الجديدة التي ستُقام عن طريق المشروعات الجديدة التي تتبنَّاها الدولة؛ حيث إنَّ هذه الطَّاقة تمثل 40% من تكلفة أيِّ صناعةٍ جديدةٍ، وبالتَّالي حينما نُوفِّر الطَّاقة، فإنَّنا نُوفِّر هذه النِّسبة من التَّكلُفة الإجماليَّة للمشروع وتكون بأسعارٍ زهيدةٍ، ويحظى صاحب المشروع بمُميِّزاتٍ تنافسيَّةٍ كبيرةٍ بعد حصوله على الطَّاقة بتكاليفٍ أقل.
أيضًا فإنَّ الطَّاقة المُنْتَجَة من المحطَّة النَّووية ستكون نظيفةٌ وآمنةٌ، وستعمل على الحفاظ على البيئة، ولن يكون هناك عوادمٌ كالطَّاقة الحفريَّة من البترول ومُشتقَّاته، إلى جانب أنَّ هذه الطَّاقة ستعمل على تسيير القطارات ووسائل النَّقل والمواصلات بشكلٍ آمنٍ من خلال استخدام الطاقة الكهربائيَّة بدلاً من المواد البتروليَّة، كما هو الحال الآن في دول فرنسا وغيرها، وبهذا فإنَّنا نُوفِّر المخزون الإستراتيجيَّ للدِّول من البترول والمُشتقَّات الأخرى له.
الخلاصة أنَّ إقامة محطةٍ نوويَّةٍ لتوليد القوى الكهربائيَّة بمنطقة الضَّبعة، لابد أنْ تحظى بأولويةٍ كبرى عن إقامة مشروعاتٍ سياحيَّةٍ- تخدم حفنةً قليلةً من المواطنين- كما أنَّها ستكون قائدةً لركب التَّنمية الاقتصاديَّة لمصر.. لذلك نقول: اتَّقوا الله في حلمنا النووي!!
صحفي ومحلل اقتصادي مصري
القاهرة في 14 سبتمبر 2009م
0 تعليقات:
Post a Comment