بقلم رئيس التحرير
... توجَّه حيث شئت، و ارمي بناظريك صوب أي منطقة في خريطة العالم، وادفع عجلة أمانيك على درب قرية العالم الصغيرة، وحاول الوصول...
الوجهة تتغيَّر.. والبصر يرتد إليك خاسئًا منكسرًا وهو أسير.. وعجلة الأماني لن تغادر موضعها.. وقرية العالم تقع فريسة لأمانٍ مستبدةٍ معصوبة العينَيْن لا تسمع إلا صوتها، ولا ترى إلا ذاتها... وأيِّ وصولٍ بعد ذلك؟
هذا هو مدى الحركة في عالم القرن الحادي والعشرين، والألفيَّة الجديدة، والقطب الواحد، والحرب على الإرهاب، وأسلحتها التي نراها مرة خشنةٍ قاتلةٍ وأخرى ناعمةٍ قاتلةٍ، ومصلحتها التي تتحرك كالبندول بين دفتَيْن، إحداهما فوضويَّة والثاَّنية خلاقة!
ليست المأساة الإنسانيَّة في محيط عالمنا الجديد نابعةٌ من أزماتٍ جديدةٍ وإنما تعقدت مأساتنا بسبب عمق أزمتنا وتجذُّرها في قلب التَّاريخ الإنسانيِّ الذي سمح لقابيل العصر الحديث أنْ يقتل هابيل بنصلٍ أمميِّ الصُّنع، وعلى مذبحٍ من أقمارٍ صناعيَّةٍ وبمباركةٍ كهنوتيَّةٍ، ووسط ترحيبٍ شعبيٍّ واسعٍ، وهتافات بعدالة قضيَّة قابيل، ووجوب القصاص من هابيل المقتول من آلاف السنين!!
لم تغب العدالة يومًا عن ضمير الإنسانيَّة، وإنما تمَّ ليُّ عنقها، وتوجيه بصرها، وتكميم فاهها، ونسف كفَّة ميزانها الأخرى، وتعليمها لغة "الفيتو"؛ ليعاد تخليق عدالةٍ تتناسب، ومقاس العالم الجديد بسيدته الحاكمة في الغرب الشَّرس، ونبتته الشيطانيَّة المزروعة في قلب الشرق المراد له أنْ يتخلف، وإمبراطوريَّاته السَّاعية لاسترداد مجدها في الشَّرق الأقصى المتفتت.
و للعدالة في أوطاننا العربيَّة والإسلاميَّة وجهٌ واحدٌ، وحكمٌ دائمٌ، وقدُّ قائمٌ، وثغرٌ باسمٌ وكرسيٌّ لا يتغير راكبه إلا بالموت أو الموت.
عدالتنا تصحب كل ولي أمر وتُستضاف على موائد كل المسؤلين، وتطيل إقامتها كلما كان المسئول كبيرًا، وتخاصم كل فلول الشَّعب وكلِّ قطعان الرَّعيَّة.
عدالتنا تتواري إنْ شاهدت يومًا بنوكًا يسلبها مستثمرٌ، أو أرضًا يغتصبها حارس دركٍ عصريٍّ، أو حرِّيَّةٌ يأسرها جنديٌّ ويغتصبها قانونٌ استثناءٌ وأنظمة تأبي على الفناء.
إنَّ قضيَّتنا عادلةٌ أيُّها الشُّرفاء.. ببساطةٍ نجتمع ونتفق ونتحرك لنزيل عن وجه عدالتنا الطلاء، ونخلع عنها كَفَن التبعيَّة ونطهرها من حنوط الاستبداد.. هذا حدُّ أدنىً للتعاون الإنساني في عصرٍ يفقد إنسانيته جملةً وتفصيلاً.. يفقدها بالنقد وبالتقسيط..
0 تعليقات:
Post a Comment